ماذا بعد تضخيم قيم الربح والخسارة: الأول والثاني والثالث، وتهميش الضعيف، واستعباد القوي، والتآمر على المتفوق، والاقتصاص من "العاصي"؟
ألوف الأطفال والمراهقين، ألوف الشباب والمسنين، يشاهدون هذه البرامج التلفزيونية يومياً.
نبيع كرامتنا، ونضع تحت السجادة كل القيم والشيم التي اكتسبناها، لقاء حفنة من الدولارات. ألسنا في زمن الدولار؟! وللمزيد: أدخلوني أنا المشاهد "المعتر" في اللعبة.
أنا متأكد، أن أبي، يوم اشترى جهاز t.v بالتقسيط "المريح"، لم يكن يعلم أنّه سيضطر إلى الاقتراض لتسديد فاتورة هاتفه، في يوم من الأيام! بعدما سلّمته عيني وأذني ومخّي، تسلّم جيوبنا، من دون سؤال، كما علمتنا مدرسة "التربية الوطنية". فقد أدخلتنا هذه البرامج في اللعبة من أوسع أبوابها. أصبح المشاهد هو الشعرة، التي في إمكانها أن تقصم ظهر البعير (بالإذن من الأخوة المشتركين).
ففي برنامج "مين بيزيد"، يدخل المنطق التجاري – السلعي – الاستهلاكي في صلب حياتنا اليومية. إذا كنت تعرف الجواب، اتصل، بع معلومتك واقبض "كاش" بالدولار و"قرّب عالطيب" أما في برنامج "الفخ" فقد تصل نسبة المشاهدين في اللعبة إلى ما يفوق أضخم النسب.
وأنا.. من أنا؟ أنا الذي شحطه أحد مقدمي هذه البرامج لأنّ السرعة خذلته، والذي أوقعه مقدم برنامج آخر في الفخ، لأنّه لم يستطع أن يستدر عطف الجمهور (من يوم يومي حمار.. قال عزّة نفسي قال).
وأنا الذي غادرت ريتا بلا ولا شيء (ترى ما الفرق بين "بحبّك بلا ولا شيء" لزياد الرحباني و "بلا ولاشي" لريتا)؟ أصبحنا مهووسي اتصالات، كمن يدير حملة انتخابية على الهاتف. أنا ذلك الذي حلم يوماً بـ"بنت الجيران"، فمزق التلفاز عيوني من السهر، وخزّق جيوب أبي وجيوبي، وأصاب وقتي بمرض فقدان المناعة!
لذا قررت أن امتنع عن أكل برامج "الربح"!! والتركيز على كتب "هل تعلم" و"صدق أو لا تصدق"، وقررت، بالاتفاق مع أبي، أن أبيع كتب طه حسين وتوفيق الحكيم وتوفيق يوسف عواد وجبران خليل جبران، لنسدد فاتورة الهاتف:
وبالإذن من ابرهيم طوقان:
"يا من يريد الانتحار وجدتَهُ"
إنّ "المشاهد لن يدوم طويلاً".