ما إن تدخل، حتى يستقبلك الدخان، معلناً انتصاره على الأوكسجين. تواطؤ ضمني بين الحاضرين على ملء المكان بسحب التبغ. نراجيل وسجائر وغيرها.
تستطيع أن تستشعر مكان المقهى عن بعد نحو عشرة أمتار. الصوت المندلع يدلّك على المكان.
لم نجد طاولة، الصالة كومبليه. جلسنا أنا وصديقي على كرسيين، وطلبنا شاياً. كان اعتقادنا مسبقاً، أنّ هذه المقاهي لا تضم سوى فئة الشباب بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين. لا أعرف لماذا.
على طاولة نائية، شاهدنا خمسة رجال، أصغرهم يجاور الأربعين من عمره، يلعبون بصمت. بسرعة. يدخنون بشراهة، ويشربون القهوة والشاي. وفي نهاية كل جولة يتبادلون الأموال. الخاسر يدفع.
على مقربة، مراهقون لم تنبت شواربهم بعد، يلعبون ببطء، يصرخون، وأحدهم يدخن سيجارة بعمق، يسحب نفساً، يبلعه، يتريث، ثم ينفث ما سلم من دخان في رئتيه. سألنا أحدهم لماذا هو هنا، أجاب: "بالبيت ممنوعة الأركيلة، وأمي ما بتخلينا نلعب ورق، منلعب هون ومنأركل". سألنا عن عمره، أجاب: 13 سنة.
أما أحمد فيقول إنّه أنهى "خدمة العلم"، ولم يجد عملاً، حتى عامل تنظيفات، لم يستطع أن يكون: "باجي ضيّع وقتي وإتسلّى". ثم ينظر نظرة العليل ويقول: "ما في غير هيك". مازن يعمل في محل للألبسة: "واقف كل النهار، بزهق بالليل باجي لهون، منلعب كل برتّية بألفين". والبرتيّة تعني جولة.
أما نسيم وسمير فهما "طالبا جامعة"، كما يقول الأوّل: "منناضل كل النهار لنلاقي مطرح بكلية العلوم، وبالليل منناضل لنربح هون". أما ليربح ماذا، فلم يذكر نسيم. سمير يقول: "شو في بالبيت؟، ولنروح غير مطرح، ما في فلوس، القهوة رخيصة وكويسة".
"لمة عجبية" إذاً: رجال وطلاب جامعة، ومراهقون وعمّال، وعاطلون عن العمل طبعاً، جمعتهم اللامبالاة ولعب الورق من "أربعمية وأربعتعش وليخة"، ولغتهم المشتركة هي التبغ في جميع أصنافه.
سألنا صاحب أحد هذه المقاهي، الآخذة في الانتشار في الضاحية الجنوبية، عن ثمن الترخيص، فأجاب "حوالي ألف دولار، بس إذا ما صار في شكوى، بيطنشوا، المهم ما يصير مشاكل والصوت يضل مقبول".
ولكن سؤالنا هو: مَن يا ترى، يستفيد من هذا اللهو.. أو الإلهاء؟!