بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، وتراجع دور الحزب الشيوعي اللبناني، العصب الرئيسي لـ"جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" كان نجم "حزب الله"، الذي أتى حاملاً معه أفكار الثورة الإيرانية (ممولاً منها) يعلو، وكان الحزب الشيعي الثاني – شيعيا – يومها (والأول اليوم) يتسلم راية المقاومة ويكتب عليها "المقاومة الإسلامية في لبنان".
وبعد ما يزيد عن عشر سنوات، عاد الشيوعيون واليساريون وأصدقاؤهم "لجمع شتاتهم" تضامناً مع الشعب الفلسطيني، فتظاهروا بزخم، وأقاموا اعتصاما مفتوحا في خيمة قرب ساحة الشهداء، وشاركوا في مسيرات نحو السفارات الأميركية والمصرية والقطرية. وقاموا بعرض أفلام "تضامنية"، وأحيوا أمسيات غنائية وحاصروا البرغر كينغ ضمن حملة مقاطعة الشركات والبضائع الأميركية، وساهموا في تنظيم الحفل الذي كان على رأسه الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، تحت شعار: "حاصر حصارك".
هذه الحركة التي خلقها أهل اللون الأحمر ورفاقهم، أثارت انزعاج حزب الله الذي أخذ على عاتقه مهمة التحرير وكاد يحتكر النصر في أيار العام 2002. وها هو اليوم في ساحة الشهداء الغائبين، يحاول احتكار القضية الفلسطينية. فقد أقام هذا الحزب مجسما للمسجد الأقصى في مواجهة الاعتصام الشبابي "الأحمر" المفتوح، أي في المكان الذي كان يشغله شهداء 6 أيار المقاومون للاستعمار الفرنسي، وحصل على إذن بذلك، مع العلم أنّ المعتصمين قبله لم ينجحوا في الحصول على إذن كهذا.
ونجح حزب الله بالتالي في إيصال رسالة مفادها أنّ الشهداء حكر على المنتصرين، وهم شهداؤه، مهملاً الشهداء الذين سبقوه من العام 1948 إلى العام 1991. ناسيا أو متناسيا أنّ الشهداء ملك الأرض والناس، لا الأحزاب…
"حزب الله" يمارس تعبئته الإعلامية المرتبطة بقضية فلسطين، مستبعدا كل من لا ينضوي تحت لوائه.. والشباب الذين قرروا فتح اعتصامهم في ساحة الشهداء والذين لا ينوون لعب دور الحزب المذكور، ظهروا وكأنهم ينافسونه على قضيته الأساسية بعد تحرير جنوب لبنان، وفقدانه المناعة الوطنية لجهة الالتفاف حول دوره في تحرير مزارع شبعا…
وهكذا يبدو أنّ الشهداء وساحتهم قد أورثوا للمقاومة الإسلامية، ولو لفترة قد لا تطول…