دكان أبو علي الامبريالي يموّل الطرفين و مجلس الأمن يتمهل
عصابتا حي النقيفة والوطاويط تشتبكان في حي الليفة بالصواريخ والراجمات
أصوات المفرقعات التي كانت تطلع خجوله من شوارع بيروت وضاحيتها الجنوبية سترتفع أكثر منذ اليوم. وستزيد حدة المعارك بين فصائل التنظيمات الطفولية. وقد يحدث أن يحتل حمودي معقل حسونة وراء السيارة الرمادية. وقد يحدث أيضاً أن يكون أحمتّو مراقباً دولياً من شباك نافذته، لأن أمه لم تسمح له بالنزول إلى الشارع خوفا عليه من صاروخ طائش أو راجمة تخطئ هدفها. وقد يحدث أن يشتري علّوشي فرقيعا بعيديته كلها، غير آبه بغضب أمه التي تريده أن يشتري بأموال العيد طعاماً إضافياً. هي لا تعرف أنّه مكتف بالطعام الذي تخرجه من مطبخها، لذلك، تريده أن يشتري شيئاً يأكله بدلا من الفرقيع. لكنه لا يريد، لا لأنه غير مؤدب ولا يسمع كلمة أمه، بل لأنّه يحمل مسؤولية تنظيمية مع بقية أفراد العصابة: عصابة حي النقيفة.
وتعود تسمية الحي إلى الجيل السابق، الذي ما عاد أبطاله ينادون بعضهم بأسماء الدلع، حيث حمودي يصبح محمد، واحمتّو يصير أستاذ أحمد وعلوشي يتحول إلى علي، تلك قصة أخرى.
أصل التسمية
تعود التسمية إذا إلى جيل النقيفة، حين كان العيد يقتصر على اللعب بما تصنعه أيدي الأطفال للأطفال. كانوا يصنعون عيدهم، من أخشاب قليلة يصنعون نقيفات ورشاشات وهمية، لا تصدر أصواتاً مثل تلك الحديثة، التي يشتريها الأطفال من المتاجر في أيامنا هذه. اليوم، بات لدى الأطفال من يصنع أعيادهم من بلاستيك و بارود حيّ.
فبدلا من صناعة نقيفة، يشتري أعضاء عصابة حي النقيفة مفرقعات جاهزة للإنفجار من دكان أبو علي، الذي يفرد للسلعة الطارئة والمربحة، أي المفرقعات، مساحة كبيرة في متجره. حتى ليشعر الأطفال أنهم في متجر خاص بآلات الحرب والتفجير الصبياني. ويكون المخطط مهاجمة عصابة الفريخات. وتعود تسمية ذلك الحي إلى المنقفين، الذين يعتبرون خصومهم جبناء. أما هم، الفريخات، فيسمون أنفسهم وطاويط، لأنّهمْ يسهرون أكثر من أعضاء العصابة الأخرى.
بعد أن يحل العيد فجأة، وإذ ينتظر الجميع رؤية القمر لتحديد يوم العيد بدقّة، تكون التجهيزات للمعركة على نار حامية. وإذ تشتري الأمهات ثياباً جديدة لأطفالهن، من الأسواق القريبة، كل بحسب مقدرتها، يكون الأطفال يحلمون بالانتصار في معركة العيد. وصباحا، حين يهرع الرجال إلى المآذن لتأدية صلاة العيد، ينزل أعضاء العصابتين إلى الشارع، منذ الصباح الباكر، ويبدأون بالقصف الجوي والبري، لكن من دون أساطيل بحرية.
والإشتباك لا يحصل في حي النقيفة ولا في حي الوطاويط الفريخات، إنما في حي الليفة، الذي تعود تسميته إلى متجر صغير لبيع الليف. والسبب هو تحييد المدنيين، لأن جميع سكان حي الليفة يعودون إلى قريتهم في العيد، فيخلو حيهم من المدنيين.
شكاوى
في العيد الماضي، قدم الوطاويط شكوى إلى مجلس الأمن، بسبب سقوط صاروخ على سجادة أم حسين، وقد تمهل المجلس قبل التدخل. والمجلس هو لجنة البناية، المؤلفة من أبو جهاد وأبو علي وأبو محمد وأبو أحمد. لكن بعد ستة أشهر من النظر في القضية، تبين أنّ الصاروخ كان طائشا، وهو أتى من جهة الغرب، أي من حي النباريش المسالم، الذي لا يشتبك أطفاله مع أحد، بل يطلقون صواريخهم إلى السماء، ويأكلون الحلوى ويعيدون بعضهم بدلا من التقاتل. كما يحكى، وهذا سر لم يؤكده أحد، أنّ أطفال النباريش ينامون قبل الساعة السابعه مساء. وذلك محط تهكم لأطفال العصابات المجاورة. بأي جال، يتمهل مجلس الأمن كثيرا قبل التدخل، لأنّه غالباً ما ظلم أطفالا وفرض عليهم حظراً على شراء مفرقعات الدمار الشامل و حظراً على السكاكر، والعلكة تحديداً، تلك التي تنفخ "بوالين".
وتبرعات
إذا، بعد أن يوقظ المتقاتلون جميع السكان، على مسافة أميال كثيرة، يعودون إلى بيوتهم لبدء جولة العيد، التي يلمون منها "عيدية"من كل قريب. نستطيع أن نسميها "تبرعات من أجل المجهود الحربي"، على طريقة أم كلثوم. وحين تنتهي الجولة، يعود المقاتلون إلى ساحة المعركة،التي تبدأ فور عودة أولهم. وتستمر المعركة ثلاثة أيام. وهي لا تنتهي بغالب ومغلوب. لا غالب ولا مغلوب، جملة يعرفها الجميع. لكن سبب انتهاء المعارك هو فتح أبواب المدارس، التي تسحبهم من الشوارع إلى مقاعدها الخشبية.
قد يصاب أحد الاطفال بحروق بسيطة أو بجرح طفيف في تلك المعركة، لكن سنة كاملة مسافة زمنية طويلة، كافية لينسى الأهالي تلك الذكرى المؤلمة.
هذا هو العيد في إحدى المدن الخيالية. كما يذكر أن كل ما كتب سابقا ينتمي إلى أسرة "التحقيق الخيالي". وأي تطابق بين الشخصيات السابق ذكرها وبين جميع القراء محض تشابه مقصود بعناية.