لن أستعيد آل المقداد. ولا يستحقّ الشيخ أحمد الأسير أن يكون رجل العام. لكن يخيّم على رأسي، في الأسبوع الأخير من هذا العام الشيّق، طيف شعّارين: المفتي مالك الشعّار، ووزير الداخلية السوري محمد الشّعار، وطيف علياء المهدي، الفتاة المصرية التي تصرّ على العري في مواجهة "الإخوان المسلمين".
المفتي الشعّار ترك لبنان هربا من محاولة لاغتياله. لبنان لا يتّسع لرجل دين عاقل في شمال يتخبّط بين التطرّف وجنون السلاح. القامات التي تحمل شبهة اعتدال يهدّدها القاتل. المقاتلون يدافعون عن أنفسهم في الشارع. للمرّة الأولى، منذ 1989، هناك رجل دين مهدّد بالقتل لأسباب سياسية. كان القتلة يغتالون سياسيين لإبعاد "شبح الفتنة". اليوم بات القتلة أصدقاء الشبح هذا.
الشعّار الآخر هو وزير الداخلية السوري محمد الشعّار. والداخل السوري اليوم ساحة حرب. لنقل إنّه "وزير الحرب السوري". بيروت التي لا تتسع للمفتي المهدّد، تخيط جروح وزير الحرب الشامي. بيروت مشفى بلاد الشام وقبلتها حين تصاب بالآلام. بيروت تحمل 200 ألف لاجىء سوري، بعضهم يموت من البرد والجوع، فيما وزير الحرب الذي يقتلهم ويبعدهم يتعالج في أرقى مستشفيات العاصمة: الجامعة الأميركية.
بين الشعّارين، وما بينهما، أشعر بالخجل من لبنانيتي. أشعر بالخجل من بيروت. لا تستأهل بيروت أن تشفي القاتل وتلاحق المقتولين بعصي العنصرية، على ألسنة نواب ووزراء يريدون طرد الهاربين من الحديد والنار، ومعالجة حامل البندقية.
صورة أخرى تشبه بيروت: علياء المهدي تتعرّى مرّة جديدة في مواجهة "الإخوان المسلمين". علياء تعرّت أمام السفارة المصرية في استوكهولم. ما عادت مصر تتسع لها. تماما مثلما أنّ لبنان لا يتّسع للمفتي الشعّار. الفارق أنّ قتلة علياء المهدي المؤجّلين، الذين أهدروا دماءها، يحكمون مصر، وهي تختبىء في استوكهولم، فيما الشعّار يحكم المتربّصون به بعض سوريا، وهو يختبىء في باريس.
الشعّار والمهدي وجهان لأزمة واحدة. ثمّة من لا يقبل الآخر ويريد أذيّته في "مصر الإخوان" كما في "سوريا الأسد". نظام علمانيّ (علويّ استطرادا) يريد قتل الشعّار، ونظام مذهبي (سنيّ استطرادا) يريد قتل امرأة متحرّرة. القتل هو المشترك، ونبذ الآخر والرغبة في محوه. لا نقاش. القتل هو اللغة الوحيدة، وأوروبا تستقبل الهاربين من عذابات الشرق.
علياء تتعرّى وتكتب على صدرها: الشريعة ليست الدستور. علياء التي "شوّكت" حريّتها ذقون الإخوانجيين، تردّ لهم الشوك بصدرها.
في نهاية 2012، يمكن رؤية العام العربيّ كلّه من شعّارين وعلياء. عام القتل العاري في العالم العربي. الجميع يقتل الجميع. لا يعرف النظام الأسديّ إذا كان مذهبيا أو علمانيا، ولم يحسم الغرب رأيه في مناصرة المتدينين العرب، كما فعل مع المتديّنين الأفغان قبل 25 عاما. الغرب متردّد، والعرب يذبحون بعضهم، بذقون وعاريات، بشيوخ مهدّدين وشيوخ يهدّدون.
عرب وقتل وعري: 2012 هو عام القتل العاري في دنيا العرب.
