قبل سنوات كان الصيف في لبنان يعني البحر: مايوهات وسياحة ومغتربون وسهرات. كان رمضان يعني التبرّعات والخيم الرمضانية والجلاب والحلويات. كان العيد يعني الزيارات وتبادل الإتهامات الزوجية بالتقصير. اليوم تغيّر كلّ شيء. الصيف هو الحرّ، العرق، البلل، الفطيس. رمضان هو الإفطار على نور الشمعة. العيد هو عدم القدرة على "التعييد".
لنبتعد عن النقّ. ما عدنا نعرف من يجب أن نهاجم. وزير الطاقة جبران باسيل إشتكى أنّه قضى عيد ميلاد زوجته على الشمعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. مجلس الوزراء مجتمعا بلّله العرق قبل أسبوع حين انقطعت الكهرباء أيضا. مطار بيروت الدّولي إنقطع عنه التبريد بسبب غياب الكهرباء.
من نشتم؟ حتّى الشتيمة بتنا محرومين منها. نجيب ميقاتي وجبران باسيل والمطار الدولي يعانون أكثر منّا. لو كنت رئيس حكومة وتبلّلت بالعرق لاستقلت. لطردت وزيرا. لشتمت مديرا عاما. لحاكمت موظّفين ومساعدين.
صديقي اللبناني الذي وصل من وهران الجزائرية ليل أمس تفاجأ: كلما سألت أحدا عن رمضان يقول لي إنّه لا يصوم بسبب انقطاع الكهرباء. بعد ساعتين رحت أقنعه بالعودة إلى لبنان، فأجابني: "هناك مشاكل ومضايقات، لكنني أنام تحت المكيف، أتصل بأهلي متى أريد، لا إزدحامات، الإنترنت لا ينقطع، ولا المياه، هناك أشعر أنني إنسان متعب، هنا لا أشعر بإنسانيتي، ولولا بعض الأصحاب والأهل لما دعست لبنان في حياتي أبدا".
معه حقّ. يخطر لي فورا أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، إنتقد في خطابه الأخير "النظام الطائفي اللبناني". وشدّ على "الطائفي وأخرجها، بفرق، من بين أسنانه. نسي أنّه زعيم أكبر حزب مذهبيّ (أسوأ من طائفي) في لبنان. لكن أن ينتقد الطائفية فهذا امر جيّد. لو قال زياد بارود هذا الكلام لكان عاديا، لكن أن يقوله نصر الله فهذا يعني أن أزمة النظام ما عاد يحتملها حتّى المستفيدون منها.
الحلّ بعملية انتقال سلمي للسلطة من أيدي الأوباش الحاكمين إلى طبقة سياسية جديدة. الفترة الإنتقالية تكون على 8 سنوات. إنتخابات نسبية جزئية بعد أشهر تفرز قيادات شابة ومدنية، وتبقي على سيطرة جزئية لأمراء الطوائف، ثم تليها إنتخابات نسبية شاملة وإذا أراد اللبنانيون زعماء الطوائف فلينتخبوها.
الحلّ بربيع لبنانيّ هادىء وجدّي، وعلامات الإنتفاضات العمالية، من موظّفي قطاع عام ومياومين ومتعاقدين وأساتذة وعمّال، ما هي إلا بشائر هذا الربيع. وإذا لم تبادر الطبقة السياسية إلى فتح أبواب النسائم، فإنّ لبنان سيشبه سوريا: بحور من الدماء، ونقاط قليلة من السياسة.