منذ اختراع الحوار اللبناني، لا يختلف اثنان على أنّ اللبنانيين لم يتفقوا على شيء حول طاولته. كانت طاولة اختلاف أكثر منها للإتفاق. كلّ ما اتفق عليه لم ينفّذ. لا السلاح الفلسطيني ولا ميثاق الشرف الإعلامي ولا أيّ شيء يمكن القول إنّ الطاولة جمعت اللبنانيين حوله، فعلا، لا قولا ومشافهة.
الحوار إذا ليس وسيلة لتنفيذ اتفاقيات. ليس مجلس وزراء. ليس مجلس نواب. هو أقرب إلى مجلس شيوخ. مجلس يمثل الطوائف، بأكثرياتها وأقلياتها. وليد جنبلاط وطلال أرسلان مثلا. هو مجلس يمثّل "العشائر" اللبنانية. العشائر التي هي في أمسّ الحاجة اليوم إلى عقلائها وشيوخها، الواعين، من أجل لجم عصبياتها المندلقة من عقالها.
آل المقداد في هذا المعنى ليسوا أكثر من عشيرة داخل إحدى العشائر. عشيرة تريد تحرير أسراها لدى فصيل عسكريّ سوريّ معارض. والعشيرة الكبيرة التي تضمّهم، عشيرة الشيعة في العائلة اللبنانية، تغلي دماؤها كما دمائهم، خوفا على الأسرى وغضبا على أسرهم.
في هذه اللحظة تلعب قوى 14 آذار لعبة الوقت. جنبلاط مثلا ينتظر عند ضفّة النهر جثث أعدائه. مصادر مسيحيي 14 آذار تؤكّد لـ"مختار" أنّها هي التي ترفض المشاركة في الحوار. وقد رمى قياديوها شروطا كثيفة في وجه رئيس الجمهورية ووجه 8 آذار.
هذه الشروط تلعب في الوقت الضائع. في الوقت الصعب. في الوقت الأصعب. فإذا اتفقنا أنّ الحوار ليس أكثر من صور ولقاءات إجتماعية، فإنّ لبنان، في هذه الساعات العصيبة، هو في أمسّ الحاجة إلى تلك الصور. نحن في حاجة إلى صورة شيوخ العشائر اللبنانية يتباوسون ويضحكون علينا. في حاجة إليهم يتظاهرون بالحبّ. نريد عشيرة الجميّل مع عشيرة رعد. عشيرة جعجع مع عشيرة السنيورة. عشيرة جنبلاط مع عشيرة فرنجية.
خلوّ الساحة من الحوار ومن ممثلي العشائر الكبيرة يعيد أفخاذ العشائر وأجنحتها، المدنية والعسكرية، إلى واجهة السياسة في لبنان. لذا نرى ممثل عشيرة المقداد يهدّد دولا كبيرة مثل سوريا والسعودية وقطر. ومحقّا كان وزير الخارجية الإماراتي حين سأل: "أين الدولة اللبنانية؟".
الدولة ليست حكومة فقط. الحكومة هي سلطة تنفيذية. الدولة هي الحكومة والمعارضة والوسطيون معًا. قوى 14 آذار جزء من الدولة، والتخلّي عن الحوار، وعن صورة الحوار هو تخلٍّ عن الدولة.
مقاطعة الحوار اليوم كان جريمة لا تغتفر. وترك قرار المشاركة فيه من عدمها حتى اللحظة الأخيرة، في هذه الظروف المتعِبة والمتعَبة، هو جريمة أكبر.
توتير اللبنانيين جريمة. تخيّلوا لو ميشال سماحة فجّر زيارة البطريرك بشارة الراعي إلى عكّار. المسيحيّ الأعلى رتبة يُقتَل في الديار السنّيّة. ثم الطيران الحربي العلويّ يقتل الأسرى الشيعة اللبنانيين. ثم يقتل آل المقداد الشيعة اللبنانيين يحمّلون ثوّار سوريا السنّة مسؤولية القتل ويقتلون أسراهم السنّة السوريين. خبيصة ما بعدها خبيصة، وفي الأثناء قوى 14 آذار ترفض الحوار.
الحوار اليوم ضرورة وغاية، وليس وسيلة للتوافق على أيّ شيء. اليوم لا أهمّ من الصورة. الصورة الكاذبة هي المهمّة اليوم.