كان لا بدّ أن ينقطع التيار الكهربائي مرتين خلال المباراة كي تبدو الصورة واضحة أمامنا، نحن اللبنانيين، وأمام العالم: وطن غير قادر على إقامة مباراة لـ90 دقيقة. وطنٌ أصغر من ملعب، وأقلّ كم 90 دقيقة، وأضعف من مباراة، وأسوأ من إضاءة فاشلة… وطن معيب ومُحرِج وتافه.
صيدا رئاسة الحكومة، من الشهيد رفيق الحريري إلى الرئيس فؤاد السنيورة، إلى الرئيس سعد الحريري، إلى احتمالات السيدة بهيّة أو نجلها أحمد. صيدا هذه، صيدا الرئاسة الثالثة بلا منازع، كانت تحمرّ سوادا وخجلا خلال المباراة.
في صيدا هناك الكثير هذه الأيام. هناك الشيخ أحمد الأسير الذي يقطع طريق زوّار جبل عامل. هناك أسامة سعد الذي ما زال يعيش على أمجاد شقيقه. هناك النائب بهية الحريري التي أعجبها خطاب الرئيس نبيه برّي. برّي الذي ما انفكّ يضرب 14 آذار بعرض الحائط منذ 2005. برّي الذي أخرج الرئيس سعد الحريري من السراي.
والأهمّ من هذا كلّه في صيدا، هو القَدَر الذي أتلف عشب المدينة الرياضية في بيروت، ورمى مباراة مهمّة في التصفيات المؤهلية إلى نهائيات كأس العالم على ملعبها البلدي. عنينا المباراة التي أجريت بين منتخب لبنان ومنتخب أوستراليا.
كان لا بدّ أن ينقطع التيار الكهربائي مرتين خلال المباراة كي تبدو الصورة واضحة أمامنا، نحن اللبنانيين، وأمام العالم: وطن غير قادر على إقامة مباراة لـ90 دقيقة. وطنٌ أصغر من ملعب، وأقلّ كم 90 دقيقة، وأضعف من مباراة، وأسوأ من إضاءة فاشلة… وطن معيب ومُحرِج وتافه.
هكذا بدت صيدا مكبّرا عن صورة لبنان. ذقن الأسير. مقاومة غابرة في سعد. "غرام" سنّي شيعي غير مقنع. وجرصة لبنانية أمام "الفيفا".
هناك نكات دعت وزير الطاقة جبران باسيل إلى رفع الديجنتور. أخرى دعت وزير الرياضة فيصل كرامي إلى تنزيل ديجنتور القازان لئلا تتكّ الساعة مرة ثالثة في الملعب.
صيدا بوابة الجنوب. الجنوب بوابة لبنان. لبنان بوابة سوريا هذه الأيام. وسوريا بوابة الشرق الأوسط الجديد في الأيام الآتية. والشرق الأوسط قبلة الكوكب.
صيدا في هذا المعنى لها دلالة كبيرة. أكثر من طرابلس. أكثر من بيروت. صيدا الصامتة التي تعرف حجمها. صيدا المخيمات. صيدا تفجير اليونيفل. صيدا القانون الإنتخابي الجديد الذي يريد إغراقها مع صور وجزين والزهراني. صيدا عاصمة الجنوب المختلفة معه باستمرار.
صيدا رئاسة الحكومة، من الشهيد رفيق الحريري إلى الرئيس فؤاد السنيورة، إلى الرئيس سعد الحريري، إلى احتمالات السيدة بهيّة أو نجلها أحمد. صيدا هذه، صيدا الرئاسة الثالثة بلا منازع، كانت تحمرّ سوادا وخجلا خلال المباراة.
أعرف أنّ في لبنان مصائب أكبر من انقطاع التيار الكهربائي دقيقتين خلال مباراة كرة قدم. أعرف. لكن هاتين الدقيقتين تؤلمان أكثر من إقفال طريق المطار.
أذكر أنّه عندما كان يأتينا ضيوف، أيام الحرب، ويكون البنّ نافدا من بيتنا، نستعير من الجيران: "الماما بتسلّم عليكي وبتقلّك بدّها كبّاية قهوة". ونقدّم القهوة للضيوف.
كان يمكن أن نستعير قهوة الكهرباء. كان يمكن أن نجنّب مسقط رؤوس رؤساء حكوماتنا هذا الخجل والإحراج. صيدا القلعة والتاريخ والبحر والحاضر كانت تستحقّ ساعتين من الكهرباء. ساعتان فقط.