قرأ كثيرون كيف هدّد ابرهيم الأمين المعارضين الشيعة فسمّاههم "شيعة فيلتمان" ودعاهم إلى "تحسّس رقابهم". ردّ علي الأمين قائلا له إنّه لن يسكت على إهدار دمه.
قبلها كان عبّاس الصبّاغ هدّدني بالضرب إذا دخلت ضاحية بيروت الجنوبية على خلفية مقال. اليوم يهدّد الزميل اللبناني غسّان جواد الزميل السوري ماهر شرف الدين، بأنّه حين يضع قدمه في بيروت سيكسرها له.
3 معارك صحافية في فترات متقاربة. على خلفية الثورة السورية. غدا تنتهي الثورة السورية ونعود كلّنا إلى مقهى واحد. نمشي في شارع الحمرا نفسه الذي خرجنا منه كلّنا. نكتب في الجرائد نفسها، بآراء مختلفة. قد نتبادل المواقع، ويصير المعارض مواليا والموالي معارضا.
أقول الآن إنّني سامحت عبّاس لأنّه هدّدني. فلنسامح بعضنا ولنعُد إلى العقل. قليلٌ من العقل لهذا النهر المجنون. قليلٌ من الهدوء في عين العاصفة المذهبية التي تضرب لبنان وسوريا… في الحروب يعجز البشر عن المحافظة على أجسادهم، على أملاكهم، على أرزاقهم، على وظائفهم، على أصدقائهم… لنحافظ على احترامنا لأنفسنا فقط.
قرأ كثيرون كيف هدّد ابرهيم الأمين المعارضين الشيعة فسمّاههم "شيعة فيلتمان" ودعاهم إلى "تحسّس رقابهم". ردّ علي الأمين قائلا له إنّه لن يسكت على إهدار دمه. ابرهيم قال: "لا مكان للخونة بيننا". وعلي ردّ: "من أنت لتهدّدنا؟".
قبلها كان عبّاس الصبّاغ هدّدني بالضرب إذا دخلت ضاحية بيروت الجنوبية على خلفية مقال عن المخطوفين لم يعجبه. اليوم يهدّد الزميل اللبناني غسّان جواد الزميل السوري ماهر شرف الدين، بأنّه حين يضع قدمه في بيروت سيكسرها له.
3 معارك صحافية في فترات متقاربة. هناك دائما من يقول رأيا، ومن يردّ عليه بالتهديد والوعيد. قائل الرأي يكون قاسيا أحيانا، كما في انتقادات الزميل شرف الدين للسيد حسن نصر الله. لكنّ الرأي لا يجوز أن يقابل بالتهديد الجسدي.
كأنّي بهذه المعارك الثلاثة تذهب أبعد من الشارع حتّى. في الشارع، في لبنان على الأقلّ، الذي جرت على أرضه المعارك الثلاثة، ينتهي النقاش عادة بجمل مثل: "كلّهم كذّابين خلينا نشوف رزقنا". أو على الأكثر: "خلص خيّي بلا سياسة".
لم أسمع أنّ فردا قتل فردا لسبب سياسي في لبنان. المجموعات تتقاتل من وراء الجدران. لا نقاش. رصاص فقط. لكن في النقاشات لا تصل الأمور إلى حدود الضرب أو التهديد. فكيف إذا كانوا زملاء أو أصدقاء أو أولاد مهنة واحدة؟
أنا وعبّاس كتبنا سويّا في جريدة "النهار". كذلك فعل ماهر وغسّان. أكلا من طبق واحد. سهرا معا. قرآ الشعر معا. كانا صديقين. كذلك علي وابرهيم: قريبان ومن عائلة واحدة وتربطهما صلات رحم وليس فقط صلات مهنة ومذهب وقرية واحدة.
يبدو الصحافيون في هذا المكان أقرب إلى الجزّارين منهم إلى الكتّاب. أذكر أنّ النساء اللواتي أحببتهنّ كنّ يبرّرن رقّتي وهشاشة عواطفي بأنّني "كاتب". يقلنها كما لو يمسكن بسكويتا قابلا للكسر بسهولة. هكذا هو الكاتب. فكيف يكون كاتب رشّاش حبر أحمر، أو مبشّرا بالقتل؟
الكتّاب عادة أكثر رقّة. لكن في أوقات الشدّة، ولأنّ الكاتب رقيق وهشّ، تكون ردّات فعله أكثر عاطفية وأقلّ عقلا. الجانب العاطفيّ يتغلّب على الجانب العقلي.
حتّى ردّ الزميل علي تطرّق إلى "مسألة نفسية" لدى ابرهيم. وردّ ماهر على غسّان بالقول إنّه "جبان" و"رخيص". كذلك ذكّرت أنا الزميل عبّاس بـ"جبنه". وغسّان قال إنّ ماهر "عامل باطون إتهم والده باغتصابه وصار معارضا". كلمات، من الجميع، مؤسفة ومنحدِرَة إلى عمق وادي التخلّف.
كلّنا، أنا وغسّان وعلي وابرهيم وعبّاس وماهر، نتصرّف بناء على الإنفعالات والعاطفة أكثر من العقل، حين يبدأ النّزال. نتصرّف كأطفال. هل سيقتل غسّان ماهر؟ هل سيقتلني عبّاس؟ هل سيقتل ابرهيم علي؟ أم العكس؟
غدا تنتهي الثورة السورية ونعود كلّنا إلى مقهى واحد نشرب العصير (أكره القهوة) سويّا. سنمشي في شارع الحمرا نفسه الذي خرجنا منه كلّنا. سنكتب في الجرائد نفسها، بآراء مختلفة. قد نتبادل المواقع، ويصير المعارض مواليا والموالي معارضا.
الثورة السورية هي الخطّ الفاصل بيننا. أنا وعلي وماهر معها، وابرهيم وغسّان وعبّاس مع بشّار الأسد ضدّها. لكن رغم أنّها المفصل السياسي الأكثر أهمية في تاريخ البلدين الحديث، إلا أنّنا يجب أن نحافظ على لياقاتنا واحترامنا لذواتنا قبل احترامنا الآخرين.
أقول الآن إنّني سامحت عبّاس لأنّه هدّدني. فلنسامح بعضنا ولنعُد إلى العقل. قليلٌ من العقل لهذا النهر المجنون. قليلٌ من الهدوء في عين العاصفة المذهبية التي تضرب لبنان وسوريا.
لنختلف بهدوء. لنترك الأحقاد جانبا. لنعد إلى العقل. قليلٌ من الإحترام لما تبقّى من إنسانية فينا، أمام مشاهد القتل المتبادَل في سوريا. في الحروب يعجز البشر عن المحافظة على أجسادهم، على أملاكهم، على أرزاقهم، على وظائفهم، على أصدقائهم… لنحافظ على احترامنا لأنفسنا فقط.