الآن نحتاج إلى ثورات على الثورات. اليوم سقط قناع كنّا نظنّه زال من تلقاء نفسه بعد الربيع العربي. سقط ربيع العرب في امتحان فلسطين: يحقّ لإسرائيل قتل الفلسطينيين، ولا يحقّ للأسد قتل السوريين. ونحن "المتردّدون العرب"، ونحن بالملايين، نعرف اليوم أنّ فلسطين لن تنهض بعد الربيع العربي، لأنّه، على ما يتكشّف، فإنّ شرط "الإعتراف" بأيّ ربيع في أيّ دولة عربية هو "التطنيش" على فلسطين، إن لم نقل بيعها.
حتى الآن كان "المتردّدون العرب" يعتبرون "الآتي" من المعارضات أكثر تبشيرا بالخير من "الآفل" مبما تبقّى من أنظمة. العالم كلّه يريد "ائتلافا" سوريا لتسليح المعارضة السورية ضدّ نظام الأسد. حسنا. لكن ألا يوجد "ائتلاف" فلسطيني يمكن تسليحه؟ أليسوا "معارضة" ضدّ النظام الإسرائيلي الذي تعتبره أوروبا كلّها ظالما؟ ألا يستحقّ أطفال غزّة صواريخ وبنادق للدفاع عن أنفسهم؟ ألا يستحقّون مضادّات للطائرات؟
حسنا. حتى الآن كان "المتردّدون العرب"، الحائرين بين الأنظمة الخائبة والمعارضات الفاشلة، يعتبرون "الآتي" من المعارضات أكثر تبشيرا بالخير من "الآفل" مما تبقّى من أنظمة. فهناك أنظمة كانت "عميلة للغرب"، مثل نظام مبارك المخلوع، وأنظمة "ممانعة" له مثل نظام الأسد المتصدّع حتّى النخاع. وبدا الأمر مخيّبا للآمال في الإجتماع الأوّل للمخلوطة العربية الجديدة، من أنظمة عتيقة، عميلة وممانعة، وأنظمة جديدة، "عميلة" و"وسطية"، بحسب رأي القارىء ونوعه.
العرب، أنظمة بائدة أو تكاد، وأخرى جديدة أو تكاد، والغرب، والعالم كلّه يريد "ائتلافا" سوريا مع سفراء (الأول في فرنسا هولاند) لتسليح المعارضة السورية ضدّ نظام الأسد. حسنا. كاتب هذه السطور مع هؤلاء العرب والغرب: يجب أن نسلّح الشعب السوري ليدافع عن نفسه ضدّ آلة القتل الأسدية. لا خلاف.
ولنسلّم جدلا أنّ الأسد يستعمل فلسطين والممانعة شمّاعة شرعية له. حسنا أيضا: لا خلاف. لكن اليوم أليست فلسطين هي التي تنازع تحت الجزمة الإسرائيلية؟ أليست هذه فلسطين التي تئنّ تحت الظلم الإسرائيلي منذ قرن تقريبا؟ ألا يوجد "ائتلاف" فلسطيني يمكن تسليحه؟ لماذا لا يرسل هولاند السلاح إلى الفلسطينيين؟ أليسوا "معارضة" ضدّ النظام الإسرائيلي الذي تعتبره أوروبا كلّها ظالما؟ أليس الأولى تسليح فلسطين أيها العرب؟ ألا يستحقّ أطفال غزّة صواريخ وبنادق للدفاع عن أنفسهم؟ ألا يستحقّون مضادّات للطائرات؟
اليوم سقط قناع كنّا نظنّه زال من تلقاء نفسه عد الربيع العربي. سقط أمام عيوننا. العرب، بشيبهم وشبابهم، ما زالوا تحت الأمرة الأميركية. الغرب ما زال أعور ينظر بعينين مختلفتين. وهناك شعوب "بنت ستّ" وشعوب "بنت غسّالة". الشعب السوري يُدعَم بالسلاح لأنّ النظام لا يأتمر للغرب، والشعب الفلسطيني، المقصوف والمقتول، يطلبُ الغرب منه "وقف إطلاق الصواريخ"، لأنّه لن يغيّر في المعادلة شيئا، ولأنّ قوّة الشعب الفلسطيني تعني تراجعا إسرائيليا، ما يعني تراجع النفوذ الغربي في الشرق، ما يعني غضب الغرب من بعض العرب.
ما يجري لا يحتاج إلى تأويل أو فذلكة أو عبقرية. يحقّ لإسرائيل قتل الفلسطينيين، ولا يحقّ للأسد قتل السوريين. ونحن، "المتردّدون العرب"، بين أنظمة فاشلة وأخرى عميلة وأخرى قمعية وأخرى كاذبة باسم الثورة، نحن نعرف اليوم أنّ فلسطين ليست سورية بما يكفي، وأنّ الدم السوري ارتفع ثمنه في بورصة الغرب بعدما قدّم ائتلافا يشبه الرئيس محمد مرسي مبارك في موقفه من إسرائيل واتفاقات الغاز معها وفي موقفه من غزّة الجريحة.
نحن "المتردّدون العرب"، ونحن بالملايين، نعرف اليوم أنّ الثوّار لا يعترف بهم الغرب إلا إذا أخصوا فلسطين من ذاكرتهم، وأنّ فلسطين لن تنهض بعد الربيع العربي، لأنّه، على ما يتكشّف، فإنّ شرط "الإعتراف" بأيّ ربيع في أيّ دولة عربية هو "التطنيش" على فلسطين، إن لم نقل بيعها.
الآن نحتاج إلى ثورات على الثورات.