لا تكترث بيروت هذه الأيام لمعرض الكتب فيها. يبدو الكتاب يتيما في Biel. مثقفو العرب الهاربين إليها من بلادهم باتوا نجوم بلادهم اليوم. أنهوا الدراسة في صحافة بيروت ودور نشرها، وتوجّهوا إلى امتحاناتهم. ونعلم جميعًا أنّه يمنع إدخال الكتب إلى قاعات الإمتحانات.
العالم العربي اليوم في حالة امتحان شاملة، والكتاب يبدو خارج أيدي العرب. لا أحد يريد أن يقرأ. الناس يريدون أن يشاهدوا الفضائيات وأن يسمعوا المحلّلين، أن يلاحقوا اللحظة، ولا أحد يملك ترف القراءة. فإذا كانت القراءة استشرافا للمستقبل، أو دفاعا ضدّ الألم واليأس، أو مراجعة للتاريخ، فثقل الحاضر العربي وطزاجته أكثر إغراءً هذه الأيام من سحر التاريخ أو أحلام المستقبل. أحسب أنّ الجنّة بلا كتب. حين تكون اللحظة جميلة، لا داعي لتهرب منها إلى لحظات الخيال. والعرب يصنعون جنّاتهم في هذه اللحظة، أو يصارعون من أجل طيفها، كما يظنّون، وإن بالموت.
لا أحد يريد أن يقرأ الكتب هذه الأيام. إنّها لحظة امتحان شاملة. العرب، وبيروت مرآتهم دوما، يتركون الكتابة لوقت لاحق، آتٍ، والقراءة لما بعدها، فهم منشغلون هذه الأيام بكتابة التاريخ.
لا تكترث بيروت هذه الأيام لمعرض الكتب فيها. المعرض الذي "صمد" في أكثر اللحظات اللبنانية عنفا، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005، وبعد حرب تموز 2006، وبعد الإغتيالات والتفجيرات بين 2005 و2007، وبعد 7 أيّار 2008، وبعد "فرط" حكومة "الوحدة الوطنية" في 2010، ها هو "يسقط" في 2012.
يخطر لي أنّ العالم العربي، الذي تكون بيروت "مختبره" حينا و"مطبخه" أحيانا، بات مطبخا مهجورا هذه الأيام. فمن قرأ قرأ، ومن كتب كتب، ومن عارض عارض، ومن سُجِنَ سُجِنَ، ومن نُفِيَ نُفِيَ… واليوم على الجميع أن يحصدوا ما زرعوه.
المعارضون السوريون والمصريون والتونسيون والليبيون واليمنيون الذين استقبلتهم صحافة بيروت باتوا نجوم الفضائيات العربية، والإعلام المحليّ في بلادهم. كما لو أنّهم أنهوا الدراسة في صحافة بيروت ودور نشرها، وتوجّهوا إلى امتحاناتهم. ونعلم جميعًا أنّه يمنع إدخال الكتب إلى قاعات الإمتحانات.
العالم العربي اليوم في حالة امتحان شاملة، والكتاب يبدو خارج أيدي العرب. لا أحد يريد أن يقرأ. الناس تريد أن تشاهد الفضائيات وأن تسمع المحلّلين وأن تعرف ما الذي يجري. يريدون أن يلاحقوا اللحظة، ولا أحد يملك ترف القراءة. ترف البقاء ساعة أو اثنتين أو ثلاثة بعيدا عن نهر الأخبار الهادي، نهر دماء السوريين، أو أحداث ميادين مصر، أو مآسي اليمن وحروب ليبيا.
لا أحد يريد أن يقرأ رواية أو تحليلا تاريخيا: يريد العرب هذه الأيام أن يعيشوا اللحظات التي، ولمرّات نادرة في التاريخ، يعرف الذين يعيشونها أنّها تاريخية. فإذا كانت القراءة استشرافا للمستقبل، أو دفاعا ضدّ الألم واليأس، أو مراجعة للتاريخ، فثقل الحاضر العربي وطزاجته أكثر إغراءً هذه الأيام من سحر التاريخ أو أحلام المستقبل. أحسب أنّ الجنّة بلا كتب. حين تكون اللحظة جميلة، لا داعي لتهرب منها إلى لحظات الخيال.
لا يزايدنّ أحدٌ بالقول إنّ العرب لا يقرأون. الذين صنعوا الثورات يعرفون ما يكفي. يبقى أن يقرأ الجيل الآتي ليمنع إعادة إنتاج الماضي الإستبدادي بالذقون الحديثة.
والعرب اكتشفوا الإعلام. ما عاد الأدب مدخلا ضيّقا إلى المعرفة. في ليبيا فضائيات، وفي سوريا كذلك، وفي تونس. في مصر التجربة الإعلامية، الخجولة أيام مبارك، تزايد على الصحافة البيروتية. في ميادين مصر يكتشف المصريون "فتنة" الإنقسام العامودي بين طرفين. 8 آذار و14 آذار "فتنة" تتناسل في دول الربيع.
العرب اكتشفوا الإعلام، واكتشفوا الإعلام الإجتماعي على شبكات الفايسبوك والتويتر واليوتيوب. الكلّ يكتبون ويقرأون يوميا. لكن ليست تلك القراءة التي تبقى. القراءة العابرة. القراءة بمعدّل 5 ثوانٍ لكلّ كاتب، وهذه معجزة. في 5 ثوانٍ يعرف كلّ منّا ماذا يريد الآخر أن يقول في الستايتوس.
لا أحد يريد أن يقرأ الكتب هذه الأيام. إنّها لحظة امتحان شاملة. العرب، وبيروت مرآتهم دوما، يتركون الكتابة لوقت لاحق، آتٍ، والقراءة لما بعدها، فهم منشغلون هذه الأيام بكتابة التاريخ.