أيام الوصاية السورية كنا نقول "قانون غازي كنعان"، أو "قانون رستم غزالي". أجزم أنّ قليلين يعرفون، حقا، المذهب الذي ينتمي إليه هذا أو ذاك. اليوم نقول "القانون الأرثوذكسي" بوقاحة. هناك قانون انتخابات، في العام 2013، في لبنان "بلد الحريات"، يسمّى باسم مذهب، وليس طائفة حتّى. قانون أرثوذكسي… وليس، حتّى، مسيحيا فقط.
ليس حنانا للوصاية التي نمت في الشارع ضدّها. لكن أيام الوصاية السورية كان لبنان أقلّ مذهبية. كان يمكن أن تناقش من خارج المذاهب. كان يمكن أن "تُقمَع" بأنّ تُمنّع من قول رأيك. لكن اليوم فإنّه ما عاد لك رأيٌ إطلاقا. فأنت تُعرََّف من اليوم فصاعدا بمذهبك والهوية التي ولدت فيها، والتي ليس لك رأي فيها.
أيها المذهبيون: خسئتم، أرثوذكسيين كنتم أو شيعة أو سنّة أو موارنة أو دروز…
أيام الوصاية السورية كنا نقول "قانون غازي كنعان"، أو "قانون رستم غزالي". أجزم أنّ قليلين يعرفون، حقا، المذهب الذي ينتمي إليه هذا أو ذاك. اليوم نقول "القانون الأرثوذكسي" بوقاحة. هناك قانون انتخابات، في العام 2013، في لبنان "بلد الحريات"، يسمّى باسم مذهب، وليس طائفة حتّى. قانون أرثوذكسي… وليس مسيحيا فقط.
حتى كلمة "قانون الستين" تبدو أقلّ وقاحة، على وقاحتها. إذ أنّها تصرّح بأبشع ما في القانون، وهو أنّه عتيق وعلاه الغبار وصدأ إجتماعي وسياسيّ. لكنّها تحمل فكرة وليس خطابا مذهبيا أو فلسفة دينية. فهو يعود إلى العام 1960. قانون عمره 53 عاما في مقابل قانون مذهبيّ علنا. قانون همّه أن ينتخب كلّ مذهب نوابه، في مقابل قانون جرّبناه وأوصلنا إلى حروب أهلية طاحنة.
حين نقول "قانون فؤاد بطرس" فإنّ وقع الإسم الذي يمحله القانون يجعله محترما، حتّى قبل أن تعرف ممّ تتألّف بنوده وعلى ماذا يحتوي. كذلك الحديث عن قانون النسبية، بالنسبة لكثيرين، يبدو ضربا من "الجنون". لكنّ "النسبية" فكرة، إتفقت معها أو اختلفت. فكرة يمكن أن تناقشها. لكن إذا قال لك نائب أو وزير إنّه "أرثوذكسي" بماذا ستجيبه؟
وفي مناقشة النسبية فإنّ حجة السلاح ليست مقنعة إطلاقا. في العام 2005 وفي العام 2009 فازت قوى 14 آذار بالإنتخابات، لكنّها عجزت عن الحكم. عجزت لأنّ السلاح كان حاكما وليس عدد النواب. حتى عدد النواب كان عرضة للتغيير بالسلاح، فانقلبت الأكثرية أقلية حين انتخب نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة. عجزت 14 أيضا لأنّها افتقدت إلى شريك شيعيّ جديّ في مجلس النواب. إفتقدت إلى نائب شيعيّ منتخب في دائرة شيعية وليس في دوائر أكثرياتها سنية أو مسيحية.
النسبية هي الوحيدة التي يمكن أن تخلق كتلتين كبيرتين، متنوّعتين، كمقدمة لسحب الفتيل المذهبي من لبنان. وحتّى إن كانت النسبية تخسّر 14 آذار الإنتخابات وتجعلها أقليّة، فلتتذكّر هذه القوى أنّها لم تحكم أصلا حين فازت لدورتين متتاليتين طوال 8 سنوات. ومع تنوّع في المذاهب كلّها، وإن كانت أقليّة، يمكن قوى 14 آذار أن تخلق كتلة عابرة للمذاهب تجعلها قادرة، مثلا، على انتخاب رئيس مجلس نوّاب له شرعية شعبية من خارج الثنايئة الشيعية. ثم إنّ الجوّ الجديد في البلد سيكون لصالح شعاراتها: الحرية، المدنية، اللاطائفية، اللاعنف، مواجهة العسكر والأمن…
أيام الوصاية السورية كان لبنان أقلّ مذهبية. كان يمكن أن تناقش من خارج المذاهب. كان يمكن أن "تُقمَع" بأنّ تُمنّع من قول رأيك. لكن اليوم فإنّه ما عاد لك رأيٌ إطلاقا. فأنت تُعرََّف من اليوم فصاعدا بمذهبك والهوية التي ولدت فيها، والتي ليس لك رأي فيها.