بلعيد وقصير وحاوي: القاتل واحد
الذي قتل شكري بلعيد هو نفسه الذي قتل جورج حاوي وسمير قصير. الظلام نفسه. لا همّ ما هي جنسيته، وما هو فكره، وما هو التنظيم الذي يقف خلفه أو الجهة المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
قاتل بلعيد قتل قبله قصير وحاوي وسيقتل غد ربما باسم يوسف أو حمدين صبّاحي أو امثالهم في سوريا وتونس والجزائر وليبيا. قاتل بلعيد لا يقتل المعارضين, لا النواب، ولا من مذاهب أخرى… يقتل صانعي الأفكار.
الذي قتل شكري بلعيد هو نفسه الذي قتل جورج حاوي وسمير قصير. الظلام نفسه. لا همّ ما هي جنسيته، وما هو فكره، وما هو التنظيم الذي يقف خلفه أو الجهة المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
قاتل بلعيد قتل قبله قصير وحاوي وسيقتل غد ربما باسم يوسف أو حمدين صبّاحي أو امثالهم في سوريا وتونس والجزائر وليبيا. قاتل بلعيد لا يقتل المعارضين, لا النواب، ولا من مذاهب أخرى… يقتل صانعي الأفكار، الذين ينظرون إلى جدران الخوف ترتفع ويروحون يتعلّمون التسلّق قليلا، وحفر الخنادق أو هدّ الجدران قليلا.
لا يخيف الأنظمة معارضوها المذهبيون، ولا يخيفها سماسرة القضايان من رجال دين وأعمال ومقاولات. بل يخيفها صانعو الأفكار، وحاملو ألوية النقد والإعتراض البنّاء والوقوف الحقيقي في وجه المدّ الإستبدادي، بن عليّا كان أو أسديا أو إخوانيا.
قصير أيضا قُتِلَ في لحظة إنتقالية. وحاوي كذلك. لم يقجّر القاتل قياديين ونوابا لا طعم لهم ولا لون. قتل الرؤوس المفكّرة، وليس المدبّرة. وكذلك بلعيد، كان رأسا مفكّرا وأحد صنّاع الحجج المدنية واليسارية في تونس والعالم العربي.
ليست صدفة أن يحصل الليبون على "حقّ" تعدّد الزوجات في اليوم التالي على قتل بلعيد. محمد البوعزيزي أطلق الشرارة، وبلعيد اليوم يعيد إشعالها. ظلاميو هذا العالم العربي لا يتحمّلون المدنيين. غدا ربما يحصل التونسيون على الحقّ نفسه: تعدّد الزوجات. الربيع العربي ينقلب شتاء رجعيا. هذه حقيقة. إغتيال شكري بلعيد سببه أنّه لم يسكت. مثله سمير قصير. لم يسكت. كان كاتبا داعيا إلى "ثورة في الثورة". كان ناشطا على خطّ المعارضة كفكرة، كفلسلف، وليس كتجمّع مذهبي طائفي آلت إليه "ثورة الأرز" في "التحالف الرباعي".
شكري بليعد ينتمي إلى هذه الفئة من العرب: الذين يقفون في وجه الإستبدادين، إستبداد الأنمظمة التوتاليتارية، واستبدادد المنتحلين صفات دينيية. اليوم لو كان قصير حيّا لوقف في وجه "جبهة النصرة" وفي وجه "الإخوان المسلمين" وفي وجه قتله بلعيد.
جورج حاوي أيضا دفع حياته لأنّه كان مقاتلا ضدّ إسرائيل، وأنشأ "جمّول"، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، أجمل صناعات هذا الشرق في العقدين الأخيرين. ودفع حياته لأنّه انفتح على جهات لبنانية كان يجب أن يظلّ حاملا السلاح ضدّها. قُتِلَ لأنّه كان مقاوما حقيقيا، وخرج على "هامش المقاومة" الذي يجب أن يُبقي المقاوم خصما وعدوّا لنصف اللبنانيين.
سمير قصير قُتِلَ لأنّه كان تنويريا ونادى بالربيع العربي. قتله أراح بعض من كان معهم في الخندق، محليا وإقليميا ودوليا. كان ثائرا أكثر مما يجب. كان منتفضا وثائرا حقيقيا. لم يكتفِ بقلب النظام الإستبدادي الأمني السوري اللبناني المشترك. كانت عينه على "النظام اللبناني" كلّه، وعلى "النظام العربي" في الوقت نفسه. حتّى قتل جبران تويني يمكن إدراجه في هذا السياق (رغم اعتراض كثيرين). لكنّه قُتِلَ لأنّه كان يكتب ويناقش ويحلّل. قُتِلَ لقتل جريدة "النهار" كمنبر للأفكار. القاتل لم يقتل قياديين يساريين. لا حاجة له في قتلهم. قتل من يصنع الأفكار. وبلعيد مثل قصير وحاوي كانوا صانعي أفكار وأحلام مدنية، في شرق يدخل في عصور الظلام، على ما يبدو، على سلالم الديمقراطية "لمرّة واحدة وأخيرة".