هل قرّر الحزب أن يأخذنا إلى خياره الشمشموني؟
ماذا يفعل أيّ جريح إذا وجد نفسه محاصراً وبيده سلاح؟
ماذا يفعل الحاكم إذا حاصره شعبه، الجائع المنهك المتعب الذليل؟
ماذا يفعل الحزب الأمني، المسيطر على البلاد، حين يتمّ "زركه" في الزاوية؟
يهدّ المعبد.
بالغريزة البشرية، والسياسية، والأمنية، فإنّ الخيار "الشمشوني" يتقدّم غالباً في بلادنا. فعلها كلّ الزعماء العرب الذي سقطوا، وآخرهم بشّار الأسد، الذي أحرق سوريا، وجلس يسترئس على جثث أهل البلاد وعلى ركام مدنها. وحده زين العابدين بن علي ركب الطائرة وغادر البلاد، وها هي تونس تتقدّم بلاد العرب كلّها في التجربة التغييرية.
في ثقافتنا العربية والإسلامية، وثقافات كثيرة أخرى، فكرة "الاستشهادي" هي تجسيد من يقرّر أن يضحّي بنفسه من أجل المجموعة. يقرّر أن يفتدي أهله بأن يعرّض نفسه للقتل، تفجيراً بالعدوّ، أو تنفيذاً لعملية صعبة قد لا يعود منها على قيد الحياة، أو مواجهةً شاملة يكون شعارها "إما النصر أو الشهادة".
أما أسطورة شمشون، الذي وجد نفسه محاصراً ومكبّلاً، في المعبد، وخصومه يحتفلون بفقدانه شعره / قوّته، فقد قرّر أن يهدّ المعبد على نفسه وعلى كلّ خصومه، ومعهم آلاف المدنيين، الذين قتلوا تحت ركام "المعبد".
تتعدّد التأويلات والتحليلات حول حكاية "شمشون". لكنّها في بلادنا لا تجد إلا طريقاً واحداً، وهو أنّ "القوي" الذي "يضرب بلا هوادة"، ويحكم بالقوّة، حين يجد "النظام" وقد قيّده، وحلق شعره، وجاء به إلى "المعبد"، الذي هو "المؤسسات" في لغة تلك الأزمان، هذا القوي، لا يقبل بالخضوع والانتساب إلى "النظام"، وإلى مشيئة "الجموع" المحيطة بالمعبد. بل يقرّر أنّه يريد أن يقتل النخبة التي حاصرته، ولو قتل معها كلّ المدنيين، عقاباً لهم على احتفالهم بالقبض عليه ومحاصرته وتكبيله وقصّ شعره.
"دليلة" الجميلة، التي كشفت سرّ شمشون، هي المرأة التي نفذت إلى داخل قلبه، ولم يستطع أن يكتم سرّه عنها. لعلّ دليلة هي "الدولار"، الذي لم يستطع حزب الله مواجهته، وهو سرّه الذي كُشِفَ، وهو شعرة الاستقرار الذي كان يعيشه اللبنانيون ولو عن "زغل" رقمي موزع بين البنك المركزي والحكومات المتعاقبة والمصارف.
حزب الله كان دوماً يعلي ثقافة الاستشهاد، الثقافة الحسينية، ثقافة "أهل البيت"، الذين افتدوا المسلمين بأنفسهم. لكنّه في العمق أخذ يتحوّل اليوم إلى الثقافة "الشمشمونية".
حزب الله مُحاصَر ومعه كل اللبنانيين، وبسبب مواجهته العرب والغرب، في سوريا والعراق واليمن والكويت والسعودية والأرجنتين وأفريقيا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا… قرّر العرب والغرب أن يحاصروه في لبنان. أطلقوا علينا "دليلة"، وهي الدولار، وقصّوا شعر الحزب وشعرنا، وهو غطاؤنا المالي، وقوت يومنا، وودائعنا.
أطبقوا علينا سياسة الحصار بالدولار. لم يطلقوا رصاصة واحدة. أطلقوا العقوبات الجماعية. فقد اللبنانيون جنى أعمارهم، تبخّرت دولاراتهم، بسبب وقف المساعدات والتحويلات والتوظيفات والاستثمارات والسياحة…
حزب الله محاصر، وتبيّن أنّنا محاصرون معه. فما كان قراره؟
المواجهة.
خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كان واضحاً: "سنقتلكم". قالها ثلاث مرّات وردّدها ليسمع من لم يسمع. يريد مواجهة الحصار بالخيار الأمني. والأمن يعني إما الحرب، ضدّ إسرائيل، وهي ممكنة، أو الحرب الأهلية، وهذه ظروفها غير متوافرة حالياً، أو الذهاب إلى "الفوضى"، باغتيالات أو تفجيرات وما شابه.
الأكيد أنّ "القبضة الأمنية" بدأت تلوح. تخوين السيد علي الأمين. توقيف ناشطة. توقيف عشرات الناشطين. التهديد بتوقيف كلّ من ينتقد رئيس الجمهورية.
هذه رسائل واضحة بأنّ الحصار الاقتصادي كلما اشتدّ، ستشتدّ معه القبضة الأمنية في الداخل. والأمنُ بالأمنِ يُذكر. ومن الواضح أنّ المرحلة المقبلة ستكون أمنية أكثر من أيّ شيء آخر.
حزب الله ما عاد استشهادياً. حزب الله بات شمشونياً، وقد قرّر أن يهدّ المعبد على رؤوسنا، وأن ندفع، نحن اللبنانيون، كلفة مواجهته مع الكوكب كلّه.
الخيار لنا: إما أن نُذبح بصمت، أو أن نقاوم، وحينها، إذا ذُبحنا، سنُذبح ونحن نصرخ ونقاوم.
ولستَ مهزوماً، ما دُمتَ تقاوِم.