7 آب، العدالة للبنان (5): الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري 19
أيّاً كان الحكم، وأيّاً كانت الحقيقة، وأيّاً كانت وجهة العدالة التي ستطلق المحكمة الدولية قطارها، فإنّ الشيعة اللبنانيين ليسوا هم من قتل الرئيس رفيق الحريري.
الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري. قتلته عصابةٌ، ليس "كليشيه" القول إنّها بلا دين ولا تنتمي إلى مذهب توحيدي، بل هي مجموعة قطّاع طرق ومجرمين، سفكوا دماء لبنان، ولا تزال البلاد تنزف منذ 15 عاماً، رجالاً ومالاً وأعصاباً. ذبحوا أيّامنا، بأطنان متفجّرات، من الحريري إلى غيره من ضحايا الاغتيال السياسي الذين لحقوه، من نجا ومن غادر.
لكن دعونا نتّفق: لا، الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري.
لا، ولا حتّى جمهور حزب الله هو الذي قتله. الشيعة ضحايا هذه القيادة الدموية التي أعطت أمراً كهذا. وجمهور حزب الله، المحكوم بالطاعة العمياء، مثل أيّ جمهور حزبيّ في دول العالم الثالث، وفي المجتمعات الثيوقراطية وفي الأنظمة الديمقراطية، هذا الجمهور، هو ضحية أيضاً.
وإذا صحّ الحكم، بأنّ عصابة تنتمي إلى حزب الله هي التي اغتالت رفيق الحريري، فإنّ القيادة وحدها تتحمّل المسؤولية، وليس المناصرين ولا الأتباع. هؤلاء الذين عاشوا سكرات انتصارات وهمية في السنوات العشرين الأخيرة، من غير أن يعرفوا أنّها قد تكون سكرات الموت. هؤلاء الذين فرحوا بوجوه الأطفال الجائعين في حصار مضايا السورية، وفرحوا بقتل رجال الزبداني، الذين ماتوا أمام عتبات بيوتهم، وفرحوا باجتياح القصير وغنّوا لقتلة الأطفال والرجال والنساء: "احفر قبرك في يبرود"… هؤلاء ضحايا أيضاً. مثلهم مثل مناصري أدولف هتلر. مثلهم مثل أيّ جمهور يغرّر به القائد، كي يقدّم خيرة شبابه على طبق من موت ودماء، طمعاً بجنّة مُشتهاة. مثل أيّ بريء يُساق إلى الموت، إلى جحيم أرضيّ، موعوداً بجنّات السماء.
في العادة، يقول التاريخ إنّ الأشرار لا يستمرّون في الحكم. يخلعهم الوقت، أو تخلعهم شعوبهم، أو يخلعهم أشرار أجانب يأتون على ظهور التعاطف المحليّ، كما حصل في العراق، وكما حصل في دول ومناطق كثيرة. يأتي الاستعمار ليحلّ محلّ الاستبداد، ثم يتبادلان الأدوار، وهكذا دواليك.
والمحكمة الدولية ستدلّنا، بأدلّة لا يرقى إليها الشكّ، على عصارة عقل إجرامي شرّير، استسهل أن يقتل رجلاً جمع بين أصابعه العشرة، مصالح وطن بملايين أهله. رجلٌ بقتلِهِ، تفتّتت هذه المصالح وتقهقرنا حتّى صرنا بلا ماء ولا كهرباء ولا قوت يقي أطفالنا الموت جوعاً.
طائفة بأمّها وأبيها، أوهموها بأنّها ستحكم الكوكب، أو على الأقلّ ستحتلّ العالم العربي، من المحيط إلى الخليج. ليس بالتبشير ولا بالكلمة الحلوة، ولا بالوعود أو بالإقناع، ولا حتّى بالاستعمار الاقتصادي وتصدير الأفكار، كما تحاول الصين مُلكاً. بل بالحديد والنار. بالاحتلال، بالقتل، بالعمليات الأمنية، في كلّ مكان، من أفريقيا إلى أوروبا وآسيا والعالم العربي وأميركا اللاتينية. طائفة أخذتها ثلّة من الرجال لتلهث خلف سراب السلطة والقوّة والسيطرة. كأنّهم أطفال يلعبون "بلاي ستايشن" أو "ريسك"، لكن بدماء الملايين وبأرزاقنا، نحن اللبنانيين، والشيعة تحديداً.
حزب الله، بخيارات قياداته، وبأفعالهم، وضع شيعة لبنان كلّهم في عين العاصفة. حمّلهم ليس فقط ما لا طاقة لهم على حمله، وليس فقط ما سيثقل ظهور أبنائهم عشرين وربما خمسين عاماً إلى الأمام، بل ما سينتزع منهم كلّ مكسب وكلّ حقّ أخذوه منذ الحرب الأهلية إلى اليوم، ومنذ اتفاق الطائف إلى اليوم.
الشيعة يدفعون الثمن حالياً. شيعة لبنان محاصرون، في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع، وفي كلّ قرية. محاصرين، بنظرة الغضب التي ستلاحقنا، لأنّنا الذين "قتلوا رفيق الحريري". ومحاصرين سنبقى، بطردنا من النظام المصرفي العالمي، وبإقفال أبواب الرزق بوجوهنا، لعقود مقبلة، في كلّ دول العالم، وبالكثير الكثير من الذي سنتذكّر كلّما واجهناه، لأنّنا ندفع ثمن ما فعلته عصابة شرّيرة، قرّرت أن تقتل، باسمنا، رفيق الحريري.
أيّاً كانت خيارات الشيعة وشبابهم، أيّاً كانت آراؤهم، اعتراضاتهم، وافقوا الحزب أو عارضوه في هذا الملفّ أو ذاك، فهم يدفعون الثمن حالياً، وسيستمرّون في دفعه.
يدفع شيعة لبنان الأثمان دوماً، في الحروب التي يخوضها حزب الله ومرجعيته الإقليمية، على أراضينا وفي قرانا. وفي التسبّب بطرد بعضنا من دول الخليج، وفي غياب الاستثمارات عن مناطقنا، المنذورة للأعمال العسكرية ولاقتصاد الرواتب الآتية من إيران. ندفع الثمن في العقوبات المالية التي طالت الشيعة أكثر من غيرهم، بإقفال مصرف "الجمّال" وحرمان الآلاف منهم من حساباتهم المصرفية، وبإقفال مصارف أكثر مستقبلاً، وبغيرها الكثير من الفواتير الآتية، والتي سندفعها غصباً عنّا، بسبب "مجموعة أشرار"، كما تسمّيهم العدالة.
الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري. هناك عصابة أشرار، وإن كانت تنتمي إلى حزب انتخبه الشيعة في الانتخابات، إلا أنّهم لم ينتخبوا قرار الاغتيال. هذا قرار أخذته مجموعة رجال في ليل، ونفّذوه وحدهم، ولم يعترفوا بفعلتهم إلى اليوم.
على المجتمع الدولي، وعلى العرب، وعلى اللبنانيين الآخرين، أن ينتبهوا إلى هذه النقطة الأساسية: الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري. ولا يمكن الانتقام من طائفة، لا حقداً ولا حصاراً.
الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري. تذكّروا جيّداً هذه الجملة. الشيعة لهم صوت آخر. ليسوا مجموعة قتلة. ومحاصرتهم ستلصقهم أكثر بحزب الله. ولا بدّ من إجراءات للفصل بين معاقبة القتلة، وبين معاقبة طائفة كاملة. لأنّ الشيعة هم أيضاً ضحية ذاك الاغتيال.
فالقاتل الغبي، الذي أعطى الأمر، والقاتل الأغبى، الذي نفّذ الأمر، والقاتل الأشدّ غباءً، الذي يستمرّ في قرارات القتل، هؤلاء المجرمون قتلوا الشيعة أيضاً حين نفّذوا ذلك الاغتيال. وعلى الشيعة أن يحاسبوهم في الانتخابات المقبلة، كي ننجو، ونتبرّأ من دماء أهلنا.