نوح زعيتر.. أو صورة المجرم الذي يهواه اللبنانيون
نوح زعيتر يشبه لبنان. يشبه مصائبه. يشبه فتوّاته. يشبه زعماءه. يشبه كبار قادته، وصغارهم. ولهذا، ترى كثيرين من اللبنانيين يبتهجون لسيرته، يحبّونه، يفرحون لشخصية جبل شيخ الجبل في مسلسل "الهيبة" لأنّه نسخته التلفزيونية: المجرم اللطيف، الحنون، المحبّ. الذي يقتل لأسباب مقنعة. الذي يظلم ويصوّر لنا المخرج ظلمه عدلاً مبهماً. الذي يؤذي لكن أعدّ لنا كاتب السيناريو أسباباً عاطفية لنوافق على الأذى، بل وننتظره.
نوح زعيتر هو المثال الذي نحبّ أن نشاهده، أن نكونه، أن نعبده… الرجال يتشبّهون بجبل شيخ الجبل، والفتيات يحلمنَ برجل مثله. يفوتهم ويفوتهنّ أنّه مرشّح ليصير قتيلاً أو سجيناً. فنوح زعيتر "حرٌّ وحرٌّ وحرُّ"، على ما تغني ماجدة الرومي، بكلمات محمود درويش. نوح زعيتر حرٌّ وطليقٌ، ولا أحد يمكنه توقيفه أو قتله. عجزت عنه كلّ الأجهزة الأمنية والقضائية والحزبية والشعبية. يكفي أن يتبرّع بثمن سيارة أجرة للسائق الذي سرق سيارته الهاربون من سجن بعبدا، كي يهلّل له المئات والآلاف ويرون فيه منقذاً ومتدخّلاً حيث عجزت الدولة.
أيُّ عقلٍ هذا؟ أيُّ قعر نحن فيه كي يصير مجرمٌ كهذا قدوةً لناشطين ومثقفين، ينسون أنّه تاجر مخدّرات؟
بالنسبة لهؤلاء، ولكلّ اللبنانيين، نوح زعيتر ليس زارع حشيشة الكيف، ولا تاجر مخدّرات، وليس هارباً من وجه العدالة، ولا قاتلاً، ولا ظالماً.
نوح زعيتر هو نسخة أخرى من شخصية يحبّها اللبنانيون كلّهم تقريباً:
هو زعيم الميليشيا. هو مالك المصرف. هو الإقطاعي. هو المسؤول الحزبي. هو السارق الذي ترشّح إلى الانتخابات، ووزّع بعض الدولارات على من سرقهم. هو تاجر المخدّرات الذي صار ابنه ضابطاً، أو ابن أخيه مديراً عاماً. هو محامي القتلة وقد عيّنوه قاضياً. هو صاحب المستشفى الذي ترك المرضى يموتون على بابها، ثم افتتح سريرين لاستقبال مريضَي كورونا، وصار بطلاً في المنطقة. هو المسلّح الذي قتلنا ثم هتف لفلسطين فسكتنا وخجلنا من أنّنا ظلمناه. هو صاحب الفرن، الذي سرق الطحين المدعوم، ووزّع ربطات خبز عن روح والده. هو وكيل الأجبان والألبان الذي سرق الدولارات المدعومة وباع الأجبان فوجدناها في متاجر الكويت. وهو المختار الذي سرق أراضي المشاعات، وأعاد الأهالي انتخابه لأنّه لم يقبض "ثمن" إخراج القيد".
نوح زعيتر نهج وليس حادثة، على ما يذهب جوزف سماحة في أحد تشبيهاته. ونوح زعيتر ليس رجلاً عابراً، بل هو كلّ الرجال الذين نكرههم ونحبّهم.
أولسنا كلّنا نحبّ المجرمين؟ ألم ينتخبهم ملايين اللبنانيين؟
كلكم انتخبتموهم. ظننتم أنّهم سيقتلون الآخرين، الخصوم، الذين تكرهونهم لأنّهم مختلفين، أو من طائفة أخرى، أو في منطقة أخرى. ظننتم الدماء على أيديهم هي دماء الأبعدين. ظننتم أنّهم لن يؤذوكم طالما أنتم في مقام العبيد، وطالما أنّكم الناخبون. ومن يؤذي عبيده؟ سألتم أنفسكم.
لكنّهم سرقوا جنى أعماركم. سرقوا مدّخراتكم، جوّعوا أطفالكم، وليس أطفال الآخرين فقط. وغداً إذا جاءت الانتخابات ستنتخبون القاتل نفسه، المجرم نفسه، المصرفي نفسه، وستقفون على باب القاضي نفسه، والمستشفى نفسها، وعلى باب الفرن نفسه، وستحلفون بحياة ابنه ووالده.
بالطبع كما تكونون يولّى عليكم. ونوح زعيتر هو أنتم أيضاً. هو الموظف الصغير الذي يقبض إكرامية ليقوم بعمله. هو المدرّس الذي لا يأتي إلى حصصه. أو يأتي ولا يدرّس بضمير. وهو الشرطي الذي لا يقوم بواجبه. وهو كلّ واحد منكم، أنتم الناخبين.
فأنتم فاسدون ومجرمون. في كلّ واحد منكم نوح زعيتر صغير. ونوح زعيتر كبير.
نوح زعيتر ليس روبن هود لتحبّوه. ما رأيناه يسرق الأثرياء ليطعم الفقراء. هو يبيع المخدّرات. وزبائنه من الفقراء الفقراء. يخدّركم ويخدّر أبناءكم، كي تظلّوا مخدّرين. مثله مثل النائب والوزير والمسؤول الحزبي. كلّ مخدّراته على قياسه، ويوزّعها عليكم، لتبقوا خاملين ساكتين ومتواطئين.
العقل الذي يحبّ نوح زعيتر، هو نفسه العقل الذي يحبّ سعد الحريري ووليد جنبلاط ونبيه بري وسليمان فرنجية وحسن نصر الله وسمير جعجع وميشال عون وبقية الشلّة. هو المزاج الذي يحبّ جبل شيخ الجبل في مسلسل الهيبة المفقودة. هو العاطفة التي تعشق المذيعين المتنمّرين، والناشطين الشتّامين والمحلّلين السياسيين الأقلّ احتراماً والأكثر مشاهدةً.
كلّنا نحبّ نوح زعيتر.
كلّكم تشبهونه.
ملاحظة: قبل عدّة أيام تعهّد نوح زعيتر في إطلالة له عبر قناة "الجديدة" بشراء سيارة للسائق الذي سرق السجناء الفارون من سجن بعبدا سيارته.