عبد الرحيم مراد: الرجل العالق في "إذاعة صوت العرب"
عند عبد الناصر. هناك يقف الزمن بعبد الرحيم مراد. ومن هناك يحبّ أن يبدأ حكايته. ومع فلسطين يحبّ أن ينهيها. إذ يروي حكاية رجل حلم أنّه وقف أمام الله، وكان في رقبته ذنوب دنيوية، ولمّا أراد محاسبته، أجابه: "أنا لم أعترف بإسرائيل". فعفا عنه وأرسله إلى الجنّة.
هكذا يتمنّى خاتمة حياته: "فلسطينياً"، وهكذا يرسم حدود النقاش ويخبرنا عن ثقافته السياسية وقدراته النقاشية. غرامه بعبد الناصر لا ينتهي. ومن فلسطين وعبد الناصر، يدخل إلى حسن نصر الله. الأهم أنّه "صافي السريرة" في كلّ ما يقوله.
في لقاء شبه تعارفي، يحبّ أن يروي كيف حفظ درسين من طفولته: الأوّل من والدته في 1948، وكان عمره 6 سنواتٍ فقط. سألها عن مشرّدين على الطريق، فأجابته: "هؤلاء فلسطينيون ذبحهم اليهود فهربوا إلينا". كان هذا أوّل درس سياسي، يقول.
ومن عبد الناصر وفلسطين يدخل إلى حسن نصر الله. لا بدّ من توطئة "قومية" كي يتحدث عن نصر الله. يبدأ من فلسطين – القضية في 1948، وينتقل إلى جمال عبد الناصر – الزعيم في 1955. وهو "الدرس الثاني" الذي يحبّ أن يرويه. كان عمره 13 عاماً، وسمع على الراديو خطاباً لجمال عبد الناصر، يتحدّث عن "المجازر التي ارتكبها العدوّ الصهيوني بحقّ الأخوة الفلسطينيين". وعلق أبو حسين هناك، في راديو من العام 1955. ونحن، محاوروه في 2020، عبثاً سنحاول طوال 90 دقيقة، أن تخرجه من تلك الحقبة.
إذاَ هو يحالف حزب الله من منطلق فلسطيني، ومن قناعة ناصرية: "وكان ذلك أكبر درس يجعله يكاد اليوم يقبّل بندقية حسن نصر الله".
أبو حسين، المقاوم النشأة، والناصري الهوى، والفلسطيني البداية والنهاية، على ما يحبّ القول، حين نسأله إذا كان صحيحاً أن حزبه، حزب الاتحاد، قد أنشأ فرعاً في البقاع لـ"سرايا المقاومة"، الوجه السنّي لتنظيم حزب الله العسكري… يداهمه الانفعال، ويملؤه الغضب.
ثم يهدأ ويتراجع ويوافق على إعطاء جواب ديبلوماسي.
إذاّ هو ناصريّ فلسطينيّ، ومقتنع بنصر الله، لكن لا يحمل السلاح، ويغضب إذا سألناه عنه.
من هنا يمكن أن نبدأ نقاشاً سياسياً مع "أبو حسين"، الذي يقول إنّه التقى نصر الله قبل سنتين، وكذلك التقى الأمير محمد بن سلمان قبل سنتين ونصف السنة تقريباً. هو هكذا أبو حسين. يريد أن يكون صديقاً لنصر الله ولبن سلمان في وقتٍ واحد.
يريد أن يوزّر نجله حسن بمقعد من حصّة المستقبل، ممثّلاً 6 نواب سنّة متحالفين مع حزب الله، ثم يبعث ويتلّقى رسائل من سعد الحريري على درب المصالحة. يدافع عن "حقّ السعودية بالدفاع عن نفسها" في مواجهة الحوثيين، ثم يعتبر كلام فؤاد السنيورة "كفراً"، لأنّه شبّه إيران بإسرائيل في اعتداءاتها على العرب، ويريد من اللبانيين أن يعتذروا من سوريا على مقاطعتها. لا قيمة لما اعترف به ميشال سماحة من متفجّرات أرادها فتنةَ بأمر "من علي المملوك والرئيس الأسد"، على ما شاهدنا في الفيديو بالصوت والصورة.
هو رجل يتحدّث عن مذكّراته. وصيته لنجله "أن يحافظ على دار الحنان للأيتام وأن يوسّعه". فخورٌ بأنّ جامعته "تخرّج 5 آلاف طالب كلّ عام، وتضمّ 38 ألفاً و500 طالب حالياً"، وبأنّه يعتمد "دولار الـ1500" فيها.
لكأنّه رجلٌ يتجاهل الحاضر. يكتفي بأدوات نقاش يضيع معها الفرق بين الذكريات والوقائع. فالقراءة عمرها 70 عاماً. عبد الناصر انهزم في 1967، ومات في 1970، وغابت معه الناصرية. وها هم العرب يطبّعون مع إسرائيل ويطوون صفحة العداوة. لم يبقَ في ميدان الاستثمار الفلسطيني إلا إيران. حتّى أردوغان يريد "علاقات طبيعية مع إسرائيل". لكنّ أبو حسين لا يزال عالقاً في ذلك المذياع. يسمع صداه يتردّد في مذاييع مشابهة، يخرج منها صوت نصر الله بين حين وآخر. يطربه الصوت.
أبو حسين لا يريد مشاهدة نشرات الأخبار الجديدة. لا يزال يستمع إلى خطاب عبد الناصر في العام 1955. ولا يزال يشاهد الفلسطينيين المهجّرين في العام 1948. لم يرَ ملايين السوريين يهجّرهم الأسد وتذبحهم ميليشياته ومليشيات إيران. لا يريد رؤية الميليشيات المذهبية الإيرانية تمزّق أراضي العرب.
يغرينا بفتح الحدود السورية أمام لبنان لتصدير الخضار. الفلاح في داخله لا يزال حيّاً، وهو فخور بذلك. وإن يكن الجرح السوري – اللبناني أبعد من سياسة التصدير. إلا أنّ الطفل الذي ولد في حقول البقاع، وبين "الطرش"، حيث كان أهله الفلاحون يمضون نصف العام في 1942، ولد مرّة ثانية حين أنقذه من الغرق عابر سبيل في 1943: "أمسكني بشعري ورفعني"، يقول، ويتلمّس رأسه، الذي ما عاد عليه الكثير من الشعر.
أبو حسين الذي ولد في النيابة بالتعيين في العام 1990، ظلّ على قيد الحياة النيابية حتّى 2005 حين خرج من ساحة النجمة. وعاد إليها في العام 2018.
اليوم لا يعمل إلاّ لتوريث حسن مقعده النيابي. ولعلّ ما يوصيه به، هو "دار الحنان"، لعلّها تجمع "أيتام" المستقبل. أيتام أعطوه 15 ألف صوتٍ، ممن تركوا الحريري، وتركهم العرب، ليحموا رأسه النيابي. فوضعته ولادته الثالثة إلى يمين جبران باسيل.