لن نعبدَ أصنام سليماني
حين كان أمين عام حزب الله حسن نصر الله يمجّد قاسم سليماني ويحاول تقريب صورته من صورة "المناضل الأممي"، في حديثين متتاليين، ويتكّفل جيشه الإلكتروني بالباقي على مواقع التواصل الاجتماعي…
حين كان نصر الله يحاولة إقناعنا بأنّ سليماني هو "غيفارا الشرق" و"بطلا ً عالمياً ورمزاً عالمياً وعنوانا عالمياً، رمزاً للتضحية والفداء والإخلاص والوفاء، للدفاع عن المستضعفين وعن المظلومين مسلمين وغير مسلمين.."…
وحين كانت "الأخبار" تعنون بـ"القائد الأممي"، وتحاول صناعة أسطورة "أممية" لـ"عاشق فلسطين" و"رجل لكل الساحات… من كرمان إلى العالم"…
وحين كان رئيس بلدية الغبيري يوقّع على رفع تمثال لسليماني لا يبعد أكثر من كيلومترين عن بيروت، التي يحمّله أهلها مسؤولية قتل رفيق الحريري…
حين كان كلّ هذا يتمّ، كان اللبنانيون يراقبون بحسرة وغضب شوارع عاصمتهم يحتلّها هذا الطيف الإيراني الذي لم يأتِ لهم غير بالحروب والوعود بحروب لا تنتهي.
وفي الوقت نفسه كان "أبناء" سليماني يحاولون إجبار كلّ اللبنانيين على أن يعبدوا تمثال الغبيري، وأن يسجدوا له، بترداد عبارات التبجيل، أو بموافقتهم، أو على الأقلّ بصمتهم.
وفي الوقت نفسه كان مناصرو حزب الله يلصقون صور الجنرال الإيراني الذي قتلته أميركا في بغداد، على "قبضة الثورة" في وسط بيروت، ويقولون "هذا هو الشهيد هنا"، في إشارة إلى أنّهم ضاقوا ذرعاً بأن يبقى ضريح رفيق الحريري في وسط بيروت. أو كأنّهم يقولون إنّ هذه البيروت لا تحتمل شهيدين، وسليماني جاء ليحلّ محلّ الحريري في وسط العاصمة.
هم يريدون إذلال "الثورة" ووضع عصبة سليمانية على جبهة بيروت، وعلى جبهة لبنان. كأنّهم يجبروننا على عبادة الصنم المرفوع في الغبيري في استفزاز واضح لمئات آلاف اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات رافعين قبضاتهم ضدّ "كلن يعني كلن".
وفي الوقت نفسه كان "أبناء" هذا "القائد الأممي" في بلدة عدلون الجنوبية، من مناصري حزب الله ومنفّذي أوامره، يدوسون على صور أرنستو تشي غيفارا، وعلى صور جورج عبد الله، ويضربون شبّاناً جنوبيين تجرّأوا على شرب الكحول في الجنوب، وتجرّأوا على قول "لا" لنصر الله نفسه.
هي هكذا ولا تحتاج إلى كثير توضيح ولا إلى إزالة أيّ التباس. في لحظة واحدة، علينا أن نقتنع بأنّ سليماني هو غيفارا زماننا، وأن ننسى غيفارا، وأن ندوسه بأرجلنا، وأن ننسى رفيق الحريري، وأن نقتلع ضريحه، وأن نصلّي لسليماني، الذي راح حزب الله يجمع له المشايخ السنّة، ليؤبّنوه، ويترحّموا عليه، ويجمع له الكتّاب والجرائد ومن يمون عليهم، ليصنع منه أسطورة، ستظلّ عصية على اختراق عقولنا، نحن اللبنانيين.
رفيق الحريري، حين خرجنا إلى الشوارع لننعيه، على الرغم من اختلافات كثيرين منّا معه، وعلى الرغم من اعتراض كثيرين على سياساته النقدية وأحلامه بالسلام التي اتّكأ عليها في رسم مستقبلنا المكسور… حين خرجنا لننعيه كنّا ننعي لبنانياً حقيقياً، تجرّأ على الحلم، ودفعنا كلّنا معه الثمن. وكنّا نعرف أنّ الذي قتله لم يقتله من أجل خلافاتنا معه، بل بسبب أحلامه النبيلة، ومواقفه السياسية التي كان كلّ لبنان يوافقه عليها.
أما سليماني اليوم، فمن هو؟
ومن أين تأتي شرعيته؟
هو "مقاتل" بين بغداد وصنعاء والشام وبيروت، لا يشبه لبنان في شيء.
من أعطاه هذا الاسم؟ من سمّاه؟ من رفعه تمثالاً فوق أوجاعنا؟ ومن له الحقّ في أن يقفل المطار وطريق زوّار لبنان بصوره؟
من أباح لحزب الله أن يغرقنا بالبروباغندا حول بطولاته؟ فماذا أعطانا في تموز 2006 غير الدمار؟ ولماذا تريدوننا أن نعبد أصنامه؟
في الوقت نفسه، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلّق فوق رؤوسنا، الطائرات تقترب، تقصف مخزن محروقات مهرّبة على الحدود السورية، ربما مخزن أسلحة، لا نعرف، والحزبيون يردّون بضرب قبضة الثورة. عشرات الطائرات تحلّق، والحزبيون في الجنوب منشغلون بدوس صور غيفارا وضرب شبّان يساريين لأنّهم يشربون الكحول. الطائرات تتكاثر، ونصر الله يحدّثنا عن سليماني. الكورونا تفتك بنا، والأنباء تخبرنا عن بطولات "القائد الأممي". بطوننا جاعت وباتت خاوية، وحزب الله يرفع صور سليماني.
قُل يا أيّها الحزبيون، لا نعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون لبنان الذي نعبد، ولا نحن عابدون ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما نعبد، لكم تماثيلكم، ولنا إفلاسنا وجوعنا وآلامنا وأوجاعنا… ولبناننا كاملاً لنا.