برج الملوك والقليعة بلا أحزاب والخيام صفراء ودير ميماس علمانية
"كسر عظم" في القرى الشيعية ومعارك عائلية في المسيحية
بنت من حركه أمل تعاركت مع بنت من حزب الله فأتت بأبيها ليضربها فجاءت الثانية بأبيها وتعاركا". هكذا لخص طفل لم يتعد العاشرة من عمره المشهد الانتخابي البلدي والاختياري وما انتجه من فرز وتشنجات في قرى وبلدات الشريط الحدودي سابقاً وفي غيرها من قرى الجنوب، قال ذلك جواباً عن سؤال حول "جو الانتخابات في بلدته ربتلاتين أثناء قيامه بشد براغي رشاشه الحربي البلاستيكي بواسطة سكين مطبخ حقيقي. بلدة ربتلاتين قدمت صورة عن ذلك الفرز الذي أتت به الانتخابات زارعة الفرقة بين أبناءالبلدة الواحدة، بل و بين أبناء العائلة الواحدة، ففي تلك البلدة فشلت مساعي الوفاق ثم فشلت مساعي ترشيح لائحة مستقلة، فانسحب المستقلون وتركوا الساحة للائحتين، واحدة لـ"الحزب" والثانية لـ"الحركة" تنافستا في جوّ جد مشحون.
الخيام "المناري"
في معتقل الخيام الجالس فوق البلدة كمنصة كان تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله يستقدم بعض نوابه ومرشحيه من بلدات وقرى مجاورة لتسويقهم كمرشحين عن حزب "قاوم وحرر، فلا تبخلوا بأصواتكم على من لم يبخل بنفسه". كان ذلك المعتقل، المزنر بأعلام "الحزب" الصفراء، يلعب الدور الذي أنيط به بحرفة، تماماً كما لعبت رموز "انتصارية" أخرى لعبة المقاومة والبلديات هناك حيث كانت اللافتات والصور الكثيرة تعوض غيابها في معظم القرى المجاورة مثل الطيبة وكفركلا والعديسة وغيرها. شبيهة بمدينة بيروت كانت هذه البلدة إذ تشبه بعض شوارعها شوارع "الطريق الجديدة" يوم انتخابات البلديه فيها. فمحلات السمانة والخضار، وصالونات الحلاقة والمقاهي ومكبرات الصوت، كلها مارست أدواراً محكمة الاتقان في اللعبة الديمقراطية، ويذكر أنّ العاملين في الماكينتين الانتخابيتين فاقوا المطلوب بكثير، فملأوا الشوارع طيلة النهار. أكثر من 13 ألف ناخب مسجلين في لوائح شطب الخيام، كبرى بلدات الشريط الحدودي سابقاً، يتوزعون على أكثر من 15 طائفة، للشيعة حصة من 12 ألف ناخب فيها يوحي التنوع بالتنوع، لكن الفرز قائم بين لائحة مدعومة من "حركة أمل" و"القومي" باسم "الإنماء والتغيير" وأخرى مدعومة من "حزب الله" و "هيئة التضامن الخيامي" اليسارية الهوى، و"الشيوعي" وعائلات، يرأسها علي حسن زريق مدير جمعية الإمداد. التعزيزات الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي ميّزت الخيام عن جاراتها اللواتي لم يطأهن غير عدد محدود من رجال الأمن اللازمين لحراسة مراكز وأقلام الاقتراع.
وكان ذلك التحضير الأمني لازماً في بلدة اشتهرت بالخلافات الدموية حول أحقية علم ما بالسكن على عامود الكهرباء هذا أو ذاك. الأصفر بدا طاغياً في ساعات الصباح الأولى وبدا شبان "حزب الله" واثقين من "الاكتساح" على ما صرحوا، فيما بدا شبان "حركة أمل"، بالأوراق التي وزعوها لصرف بدل تنقلات، كمن يحاول أن يثبت وجوده بعد سلسلة الخيبات الانتخابية في الضاحية الجنوبية وبعلبك.
القليعة
بعيداً عن التشنجات والفرز الأعمى والتعصب للتنظيم السياسي، يبدو هادئاً المشهد الانتخابي في قرية القليعة، معقل الموارنة في قضاء مرجعيون، وتبدو القرية جريحة، ما يؤمن لحمة أبنائها وسط عواصف "تكسير الرؤوس والعظام" في البلدات المحيطة ببلدتهم. فتلك البلدة التي يفترض أن يزيد عدد سكانها عن ستة آلاف نسمة، لا يسكنها أكثر من نصف هذا العدد، فيما يتوزع النصف الثاني بين خائف من "تحرير" يقضم حريته، ومتوار في إسرائيل، وبين ساكن في بيروت حيث فرص العمل والعيش المرفه أكثر ومهاجر بحثاً عن عيش كريم. أهالي البلدة انقسموا بين ثلاث لوائح في تنافس ودي. ودليل على الودية جلسة قهوة جمعت ثلاثة مرشحين من اللوائح الثلاث، تحت خيمة على باب مركز الاقتراع، كأن لا تعنيهم المعركة. اللائحة الأولى حملت اسم "وحدة القليعة"، يرأسها حنا الحوري المقرب من النائب والوزير "القومي" أسعد حردان، والثانية باسم "الإنماء والتغيير" مدعومة من "شباب القليعة" برئاسة حنا ضاهر. والثالثة باسم "القليعة لأبنائها" يرأسها بسام الحاصباني، وهي مدعومة معنوياً من الوزير حردان أيضاً، الذي بدا أنّه يلعب على التناقضات العائلية، لئلا يخسر ناخبيه في الانتخابات النيابية القادمة، ما جعله يدعم لائحتين. المعركة كانت عائلية لا تحمل أي صفة من صفات السياسة أو الحزبية في القليعة، والتشنجات العائلية حلت محل التعصب الحزبي والطائفي والتنظيمي هنا، ما خلا تدخل حردان المعنوي الغامض.
دير ميماس
أما في ديرميماس، فللمعركة صورة مختلفة إذ دارت رحاها بين حزبين علمانيين لا طائفيين هما "الشيوعي" و"القومي"، بعيداً عن المعارك الشيعية – الشيعية والمسيحية والمسيحية. فقد رشح "الشيوعي" لائحة كاملة تضم مستقلين، في بلدة المقاومة سهى بشارة، باسم "دير ميماس الغد"، برئاسة كامل مرقص فيما رشح "القومي" لائحة كاملة برئاسة سامي القزي وباسم "التضامن الديرميماسي" وقد أكّد مسؤولون شيوعيون أنّ النتيجة محسومة لصالحهم وقال أحدهم "خذوا النتيجة الآن بدلاً من الانتظار حتى غد، لائحتنا ستنجح كاملة".
القرية التي تطل على قلعة "الشقيف" وتستعير اسمها من القديس الشهيد "ماماس"، لا يسكنها اليوم ربع سكانها الذين يعدون 7 آلاف نسمة هم المتوزعون بين العاصمة بيروت وبلاد الاغتراب عادوا عن اتفاقهم على مجلس بلدي يرأسه سامر القزي بشبه تزكية في الانتخابات الماضية وانقسموا بين لائحتين، ولم يشب معركتهما أي تشطيب أو مستقلون. دير ميماس المحسوبة عريناً شيوعياً بدا شيوعيوها واثقين من فوزهم أمس لكن "القوميين" كانوا واثقين كذلك!!
برج الملوك
قضاء مرجعيون يضم 108 آلاف ناخب توزعوا على 120 قلم اقتراع في 31 بلدة وقرية. هذا القضاء شهد معارك بين "حزب الله" و"حركة أمل"، وتحالفاً بينهما كما في بلدة الطيبة، هذا في البلدات الشيعية. اما في البلدات المسيحية كما في القليعة وجديدة مرجعيون وبرج الملوك، فقد غابت الأحزاب ليملأ فراغها التعصب العائلي والخلافات العائلية، القديمة منها والحديثة. فيما كان جرح عناصر "جيش لبنان الجنوبي"، الهاربين إلى اسرائيل، موحداً للجميع في هذه البلدات، لكنهم تركوه للاستحقاق النيابي القادم، على ما صرّح كثيرون منهم، "لأنّ البلديات لا تتحمل هذا الموضوع". وفي برج الملوك المحاذية للقليعة، كان الجرح أكبر جرح المهاجرين الكثر، والمتوزعين على المناطق اللبنانية وصولاً إلى "أبلح" حيث يسكن كثيرون منهم، على ما صرّح مرشحون للمجلس البلدي. "أولاد العم لا يعرفون بعضهم بسبب التشتت هنا"، يقول أحد الشبان ويؤكد الأهالي على أنّ اللوائح الثلاث المرشحة ليست مدعومة من أي حزب، وإن تخللها مناصرون لبعض الأحزاب، لكن ترشيحهم كان باسم "برج الملوك". إذ تحمل اللوائح الثلاث اسم "برج الملوك" واحدة "برج الملوك" وأخرى "برج الملوك الغد" غير مكتملة وثالثة "برج الملوك – القرار والإنماء".
بذلك تبدو القرى المسيحية هجينة بلا تنظيمات تقود معاركها وتحقق مطالبها، فيما تبدو القرى الشيعية فوضوية يحكمها منطق "البقاء للأقوى"، الذي أسفر عن "تكسير رؤوس" أمس و "كسر عظم" على أمل ألا يصل "الأقوى" لقطع الرؤوس مستقبلاً.