من عبادة الشيطان إلى التدين السلفي وتكفير المجتمع
"أبو عدس": فجّر... لم يفجّر... ولا يتقن قيادة السيارات
أبو عدس الذي تبنى العملية هل أصابه مسّ
"أبو عدس"، الذي تبنى باسم تنظيم "النصرة والجهاد في بلاد الشام" عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، معروف في شارع الجامعة العربية في الطريق الجديدة. لكن لا أحد يعرف شيئا عن "أبو عدس" في شارع الجامعة العربية في الطريق الجديدة. الجملتان صحيحتان، لأن معظم سكان المنطقة يعرفونه، لكن أحدا منهم لم يجرؤ على الإدلاء بما يعرفه عنه، ما عدا بعض الشبان الذين ادعوا أنّهم تحرّيون.
الطريق إلى منزل أبو عدس تمر من أمام مركز "حزب البعث"، حيث أحرق الغاضبون بعض الإطارات مساء أمس الأول، ثمّ إلى اليمين وصولا إلى مسجد راشد الحوري، ونزولا في الشارع المقابل لمدخل المسجد. تتعرف فورا إلى المبنى لأنّ شرطيان يرابطان على مدخله يمنعان أيا كان من دخوله إلا بعد رؤية بطاقة هويته للتأكد من أنّه يسكن المبنى. حتى زيارات الأقارب ممنوعة. المبنى شبه مختوم بالشمع الأحمر لمنع تسرب أي معلومة عن "أبو عدس" إلى وسائل الإعلام.
جيرانه الخارجون من المبنى يرفضون قول أي كلمة: "لا نعرف شيئاً"، "لم نرَ شيئا"، "لا نختلط به"، وغيرها من التعليقات الخائفة. ولم يتبق غير وسيلة واحدة، وهي البحث عن الشبان الذين يفترض أنهم يعرفونه.
من الكفر إلى الإيمان
أحمد أبو عدس، الفلسطيني الجنسية، إبن الأعوام الـ22، يسكن في المنطقة منذ سنوات طويلة. وهو بدأ نشاطه العلني في تلك المنطقة قبل أكثر من ثلاث سنوات، حيث راح يتبنى مظهر "عبدة الشيطان"، على ما صرّح به بعض الشبان والشابات الذين سألناهم. وتبين من كلام هؤلاء أنّ "أبو عدس" كان واحدا من الشبان المتفلتين من قيود المجتمع العائلي المحافظ، شكلا ومضمونا، ما جعلهم يصفونه بـ"عباد الشيطان".
وهو، بحسبهم، كان يكثر من السهر وشرب الخمور، ويضع أقراطاً على أذنيه وأساور في يديه وعقوداً غريبة على عنقه، ويلبس ثيابا عصرية فضفاضة ويرافق الشبان "الفاسدين"، على قول بعض سكان المنطقة، أي أولئك الذين لا يدخلون الجامع أبدا.
أحد الشبان، وهو ادّعى أنّه يعمل مخبرا لأحد الأجهزة الأمنية، وأنّه كان في عداد الذين داهموا منزل "أبو عدس" أمس الأول، قال: "كان يحبحب معي"، قاصداً القول أنّه كان يتناول حبوب الهلوسة معه، وأضاف: "كان سكرجياً قمرجياً وعباد شيطان، ثمّ، وفجأة، بدأ يرخي لحيته وابتعد عنا وبات من روّاد المسجد بانتظام". وإذ تمر دورية لقوى الأمن، يلقي هذا الشاب التحية على عناصرها بأسمائهم ومن دون تكلّف.
آخر، ادعى أنّه في جهاز آخر يعني بمكافحة الإرهاب، قال أنّه يعرف "أبو عدس" منذ سنوات، منذ كان "يسكر معنا كل يوم ونضلّ سوى"، وأضاف: "ثمّ صار متديناً ولم يعد يكلمنا، سوى أنّه يأتي إلى متجري كل يوم ليشتري حمصاً مطبوخاً بألف ليرة". وقبل أن يكمل، يقول للشاب الأول: "العميد تأخر أمس"، فيجيبه بالموافقة ويقول: "لكنّه جاء وسأل عنك"!!!
جنون مستجد
كان "أبو عدس" مقتصدا إذا، يأكل الحمص يومياً، لكنّه، في المقابل كان مبذراً في كلامه عن الدين. يروي أحد سكان الشارع الذي يسكنه أنّه، وبعد أن أرخى لحيته، بدأ يقصد المسجد يومياً، واهتم بدراسته إلى أن بات قادراً على تدريس علوم الكمبيوتر. فراح يدرس بعض الطلاب في منزله المطل على جسر الكولا.
لكنّه لم يوقف نشاطه المسجديّ. وتطور حضوره من مصلّ عادي إلى رجل يملك ملامح متميزة، تماما كما كانت ملامحه "الشيطانية"، على قول سكان حيّه: "فبعد أن كان يميز شكله بالحلي والثياب الحديثة، بات يلبس جلباباً أبيض صيفاً شتاء، ويضع على رأسه قماشة بيضاء تختلف عن تلك التي يضعها الشيوخ، كما أنّ طول لحيته أوصلها إلى خصره".
انتقل إذاً من النقيض إلى النقيض، أو أنّه وجد في الإسلام ملاذاً بعدما شنّت القوى الأمنية حملة على "عبدة الشياطين". إذ أنّ تاريخ انتقاله يتزامن مع تاريخ تلك الحملة التي قادها وزير الداخلية سابقاً إلياس المرّ.
ووصل تطور حضور "أبو عدس" إلى حد أنّه بات يؤم المصلين في حال تغيّب الشيخ، وكان يخطب أحياناً، ويركز في خطبه على الآية القرآنية التي تتحدث عن الأبراج، محاولاً ربطها بعملية 11 أيلول الإرهابية، على ما يقول أحد الشبّان.
وتقول رواية أخرى أنّ ذلك المؤمن المستجدّ، استجدّ عليه جنونٌ ديني في الفترة الأخيرة. إذ أنّه في شهر رمضان الماضي، كان يقف بشكل شبه يومي على رصيف المسجد، مقابل شارع عفيف الطيبي، متوعداً الكفرة وداعياً الناس إلى الإهتداء قبل أن يأتي يوم الحساب، حتى أنّه كان يشتم من لا يعيره أهمية، وكان يؤذن في الشارع أحياناً، في محاولة منه لحث العابرين على الصلاة.
"مخبول"
"مخبول"، قال الشاب الذي ادعى أنّه شارك في دهم منزله، وأضاف: "وجدنا في منزله أشرطة عليها تسجيلات تطالب بتكفير جميع الناس"، وتابع: "ووجدنا الطعام ساخناً، ما يدل على أنّ أهله هربوا من المنزل فور سماعهم الخبر"، شابة تسكن في مبنى مجاور قالت أنّها لم تره "منذ العيد الكبير"، أي منذ نحو ثلاثة أسابيع، وأضافت: "والده قال أنّه لم يره منذ أشهر وأنّه أبلغ الجهات المختصة التي تبحث عنه منذ ذلك الوقت".
لكن شابة ثانية تقول أنّ ناطور المبنى رآه أمس الأول خارجاً من منزله، أي قبل عملية الاغتيال. لكن المؤكد هو أنّ ذلك المؤمن أصابه مِسّ، أو هو ادعى إصابته بذلك المس، قبل أن يتوارى ويتحول إلى المطلوب رقم 1 في لبنان.
وقال شاب ثالث يسكن الحي نفسه، ادعى أيضاً أنّه عنصر في جهاز أمني يعنى بمكافحة التجسس، أنّ "أبو عدس" لا يتقن قيادة السيارات، فكيف له أن يفجر سيارته بموكب الرئيس الحريري. وأضاف أنّه بعد التحقيق مع بعض أقربائه، تبين أنّ شقيقه الذي يكبره ببعض سنوات قد يكون هو من فجّر نفسه في الموكب، ويبقى أحمد هو "المخطط"، فيما أكّد زميله أنّ شقيقه مقيم في ألمانيا منذ فترة طويلة.
تعددت الروايات، بين من يقول أنّ والديه مسافران ومن يقول أنّ أمه منقبة و والده مسافر إلى السعودية، وبين من ينسب إليه الجنون من ينسب الذكاء الكبير، لكن الرواية الحقيقية تبقى بعيدة المنال حالياً، لأنّ القوى الأمنية منعت المعنيين والجيران من التحدث وفرضت ما يشبه الحظر الأمني على المعلومات، من دون أي سبب مقنع.
أحد الشبّان ردّ على سؤالنا عن "أبو عدس" بالقول: "بلا عدس بلا فاصوليا، كلنا منعرف مين عمل الطبخة…".
بيروت لبسته ثوباً
بدا أمس أنّ بيروت لبست الرئيس الشهيد ثوباً لها بعد موته. فالطرقات التي فرغت من العابرين ومن السيارات، امتلأت بصوره التي أضيف إليها كلمتان: الشهيد الراحل.
وبدا أنّ البيروتيين لا يريدون أن يخرجوا رئيسهم وزعيمهم من ذاكرتهم اليومية إلى تاريخهم الذي سيصير الرئيس جزءا مهماً منه، بل هم يريدونه أن يبقى معه. فبدلاً من صوره القليلة التي كانت تتوزع جوانب الطرقات بنسبة أقل بكثير من نسب بقية الزعماء، نثر البيروتيون صوره في كل مكان مرفقة بعبارات تؤكد على أنّهم لن ينسوه وعلى أنّه سيبقى في قلوبهم دوماً.
بقي البيروتيون في بيوتهم أمس، كأنّهم يدخرون أرجلهم وخروجهم من منازلهم لليوم، حين سيشيعون شهيدهم.
كان يعيش حياة صاخبة انقلبت رأسا على عقب
أبو عدس غادر منذ كانون الثاني منزل ذويه متجها نحو العراق
لم يلمع اسم الفلسطيني أحمد تيسير أبو عدس في الأوساط الفلسطينية وداخل المخيمات إلاّ بعد الإعلان عنه عبر شريط تلفزيوني يفيد أنّ جماعة "النصرة والجهاد في بلاد الشام" هي المسؤولة عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وبعد وقت قصير من بث الشريط، انشغل المسؤولون الفلسطينيون في البحث عن تفاصيل سيرة أبو عدس والتنظيم الذي ورغم أنّه ينتمي إليه، بيد أنّ المعلومات التي توفرت كانت شحيحة جداً.
وتقاطعت المعلومات الفلسطينية مع الأمنية "أنّ أبو عدس يقيم مع والديه في الطريق الجديدة في بيروت ولم يكن يتردد إلى أي من المخيمات الفلسطينية في الجنوب".
ويروي مقربون من العائلة "أنّ أبو عدس إلتزم دينياً منذ فترة قصيرة، ولم يكن متشدداً من قبل، إذ أن حياته التي كانت حافلة في ما قبل بالصخب سرعان ما انقلبت رأسا على عقب". وثمة معلومات أنه غادر منزله منذ 15 كانون الثاني الماضي بدون أن يبلغ والديه اللذين تقدما بشكوى في هذا الصدد لدى القوى الأمنية.
ويؤكد المقربون: "أن ثمة كلاماً عن مغادرة أبو عدس إلى العراق للجهاد ضد الاحتلال الأميركي". علما أنّه من مواليد السعودية ومتأثر بالفكر الوهابي ووضع أسرته المادي مقبول.
من جهة أخرى، أعلنت "لجنة المتابعة الفلسطينية" واللجان الشعبية في مخيمات صيدا الحزن والحداد في عين الحلوة ورفعت صوراً للرئيس رفيق الحريري بمحاذاة صور الرئيس الراحل ياسر عرفات وجالت سيارات عدة في المخيم تدعو للمشاركة في موكب التشييع الذي سيقام اليوم في بيروت.
وأقفلت مؤسسات "الأونروا" الاجتماعية والخدماتية والصحية والمدارس أبوابها داخل المخيم استجابة للدعوة إلى الحداد الرسمي.
واستنكر أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في مخيمات منطقة صيدا عبد مقدح جريمة الاغتيال واعتبر "أنها حادثة سوداء في تاريخ لبنان وتهدف إلى ضرب أمنه واستقراره".
"نعيش سويا ونموت سويا"
في منزل الوزير البعثي السابق عبد الله الأمين، تقبل آل العرب تعازي الرجال بفقيدهم، المرافق الشخصي للرئيس الحريري، يحيى العرب. فيما تقبلوا تعازي النسوة في الطبقة الخامسة من المبنى نفسه، في منزل الشهيد يحيى.
واعتبر أقارب الفقيد أن "ما حصل كان متوقعا في أي لحظة، حتى أن الرئيس الحريري قال ليحيى: نعيش سويا ونموت سويا، لهذا السبب أصر أولاد الرئيس الراحل على أن يدفن يحيى معه".
المنزلان غصَّا بالمعزّين، فيما احتشدت خارج المبنى عشرات السيارات المغلقة بصور الرئيس الراحل.