نحن مخطوفون يا فداء لو تعرف. وأنت خرجت من أعزاز الواضحة إلى أعزاز اللبنانية. هنا العصابات يرأسها سياسيون. الخاطفون يقدّمون الفواتير: إدفع بالتي هي أحسن. الدول لا ترسل مبعوثين، بل تجري إتصالات من خلف الكواليس وتحت الطاولات. ولا يوجد سفارة تريدنا أحياء، أو مستعدّة لنقلنا. حتى الهجرة باتت أبوابها أضيق من أبواب الزعماء.
يخطفنا الإعلام الذي يلعب بعقولنا. يخطفنا الكاتب في الجريدة، ويخطفنا المذيع. يخطفنا بائع الخضر بالغشّ، وبائع اللّحم بالفساد، وبائع اللبنة بالتاريخ المزوّر لصلاحيتها. يخطفنا الشرطي الذي يريد عشرين ألف ليرة أو يحرّر محضر الضبط. يخطف قلوبنا الأولاد على الإشارات يريدون ألف ليرة ليعطوها إلى محرّكهم المختبىء خلف الحائط، تماما مثل دولة عظمى ترسل النواب ليشحذوا الكراسي منّا، نحن الناخبين.
ونحن أيضا في الإقامة الجبرية. مرهونون لكلّ هؤلاء. لا يمكن الخروج من الدوّامة. لا منفذ إلا الحرب ربما. هناك نصير مقاتلين نسرق ونقتل ونتحوّل إلى وحوش بلا حدود. الحرب تبدو المخرج الوحيد الذي يضعونه أمامنا كلّنا.
خرج فداء وبقينا نحن هناك. نحن اللبنانيون العالقون بين أعزاز والشام. بين جيش النظام وعصابات المعارضة الثورية. بين الرصاصة والموت. بين أحلام الثورة والتغيير، وأرض الدم على وجوه الأطفال.
لبنان اليوم هو قرية سورية. سورية الوجع والهمّ والإنتظار. سورية الموت والإنقسام. لبنان ليس نفسه اليوم إلا في ذكريات السياحة وفتات البحر والجبل والأطراف، المنقسمة كما لو متصرفيّات وكانتونات.
خرج فداء من قبضة الثّوار ولم نخرج نحن. اللبنانيون التسعة المخطوفون في حلب أكثر حريّة منّا. يعرفون وجه الخاطف واسمه. يعرفون أين ينامون. لا كمبيالات ولا فواتير كهرباء وهاتف. الصور التي وصلتنا عنها تظهرهم بصحّة جيّدة.
خرج فداء أمّا نحن هنا، فمخطوفون بخاطفين كثر. يخطفنا زعيم الطائفة قليلا، ثم يخطفنا المعارض من داخل الطائفة. لا أحد منهم يسألنا رأينا. يخطفنا المصرف الذي نعمل ليلا ونهارا ويمتصّ دماءنا بالقروض والديون. يخطفنا ربّ العمل الذي يريد دائما أكثر ويعطي أقلّ. يخطفنا جابي إشتراك الكهرباء. الأمبيرات الخمسة التي ندفع 200 ألف ثمنها تصلنا منها 3 أو 4 كحدّ أقصى. يخطفنا موظف شركة المياه المتآمر مع أصحاب الصهاريج، فيعطّشنا لنشتري المياه من صديقه. يخطفنا موزّع الإشتراكات التلفزيونية، وإذا انقطعت الصور لا نجرؤ على الإتصال بغيره، قد تقع حرب أهلية في الحيّ بسبب نقل إشتراك من موزّع إلى آخر.
أيضا يخطفنا الإعلام الذي يلعب بعقولنا. الإعلام التافه المنقسم مذهبيا بوجوه كاذبة ولهجات تدّعي السياسة وتختبى خلف التشبيح والتطييف والإرتهان للخارج. يخطفنا الكاتب في الجريدة، ويخطفنا المذيع. يخطفنا بائع الخضر بالغشّ، وبائع اللّحم بالفساد، وبائع اللبنة بالتاريخ المزوّر لصلاحيتها.
يخطفنا سائق سيارة الأجرة كلّ يوم. ينتقل بنا من منطقة إلى أخرى بحثا عن راكب ونحن لا نجرؤ على الكلام. قد يكون مسلّحا مثل القاتل المتسلسل في المتن. يخطفنا الشرطي الذي يريد عشرين ألف ليرة أو يحرّر محضر الضبط. يخطف قلوبنا الأولاد على الإشارات يريدون ألف ليرة ليعطوها إلى محرّكهم المختبىء خلف الحائط، تماما مثل دولة عظمى ترسل النواب ليشحذوا الكراسي منّا، نحن الناخبين.
نحن مخطوفون يا فداء لو تعرف. وأنت خرجت من أعزاز الواضحة إلى أعزاز اللبنانية. هنا العصابات يرأسها سياسيون. الخاطفون يقدّمون الفواتير: إدفع بالتي هي أحسن. الدول لا ترسل مبعوثين، بل تجري إتصالات من خلف الكواليس وتحت الطاولات. ولا يوجد سفارة تريدنا أحياء، أو مستعدّة لنقلنا. حتى الهجرة باتت أبوابها أضيق من أبواب الزعماء.
ونحن أيضا في الإقامة الجبرية. مرهونون لكلّ هؤلاء. لا يمكن الخروج من الدوّامة. لا منفذ إلا الحرب ربما. هناك نصير مقاتلين نسرق ونقتل ونتحوّل إلى وحوش بلا حدود. الحرب تبدو المخرج الوحيد الذي يضعونه أمامنا كلّنا.
خرجت يا فداء وبقينا نحن فوق الشجرة. هناك في الأعلى، ننتظر الوقوع أو الإستواء، فيأكلنا الزعيم أو المصرف.
