الحكومة ماتت… ولا بديل قبل أشهر
تفجير بيروت أطاح بحكومة حسّان دياب، التي تختنق منذ أيام، باستقالات أقرب المقرّبين من دياب، ليس أوّلهم ناصيف حتّي، الذي خلفه وزير احتلّ المتظاهرون مكتبه قبله وحطّموه، وليس آخرهم صديقه الصدوق وسرّه الوزاري، دميانوس قطّار، وبينهما صديقة عائلته، منال عبد الصمد، وما يتردّد عن أنّ راوول نعمة بعث بخبر استقالته عبر رسالة نصّية من هاتفه إلى هاتف دياب.
الاستقالات الثلاثة قد يلحق بها آخرون، من بينهم "صقور" الحكومة، بينهم من هو على رأس وزارة سيادية. فقد علم "أساس" أنّ الثنائي الشيعي قد رفع الغطاء عن الحكومة، وتركها لمصيرها، معطياً دياب فرصة "الخروج الآمن".
ودياب بين يديه ورقة A+، هي رفض رئيس الجمهورية ميشال عون وضع بند الانتخابات النيابية المبكرة على جدول أعمال مجلس الوزراء. ورفض عون مخالف للدستور، باعتبار أنّ رئيس الحكومة يضع جدول الأعمال و"يطلع رئيس الجمهورية مسبقاً" عليه، إلا أنّ الأعراف التي "تقضم" صلاحيات رئاسة الحكومة وصلت إلى تعطيل الجدول. خصوصاً مع رئيس معيّن من بعبدا وحارة حريك، وليس خارجاً من ثقة بيئته.
الضغط على دياب سيستمرّ، وإذا لم يحزم حقائبه وأمره قبل يوم الخميس، فإنّ رفع الغطاء عنه قد يترجم بمساءلات لا سقف لها في مجلس النواب، بعدما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن جلسات مفتوحة للمجلس النيابي، بدءاً من صباح الخميس "لمناقشة الحكومة عن الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها".
هذا العنوان الذي وضعه الرئيس برّي يقول الكثير. فالمساءلة يبدو أنّها تلويح بالوصول إلى طرح الثقة بالحكومة. وحينها سيخرج دياب من السراي الكبير مذلولاً ومُقالاً، بشكل غير مسبوق في تاريخ الحكومات منذ الاستقلال.
الضغوط على دياب ستستمرّ من اليوم إلى الخميس. ومن كانوا في السراي الأحد، خلال الاجتماع الوزاري، ربما سمعوا الأصوات العالية، في النقاشات بين دياب ووزارئه، ومعظمهم يدعونه إلى الاستقالة "بشرف"، قبل أن يجرف العصف الشعبي القوي حكومته، ويحيلها ركاماً، فيغرق الوزراء ورئيسهم تحته، ويختنقون سياسياً. في حين أنّ بيدهم "الخروج المشرّف"، اعتراضاً على عدم موافقة بعبدا على بند الانتخابات النيابية، ما يعيد بعض الماء إلى وجه الحكومة ورئيسها ووزرائها، فكيف بعد أن أعلن الرئيس برّي لمن قابلوه مساء أمس، ترحيبه بالانتخابات النيابية المبكرة.
لكن ما هي السيناريوهات المطروحة؟
يرى مراقبون أنّ حزب الله الذي "فرطت" الحكومة بين يديه، لا يملك خطّة بديلة. وستبقى البلاد بلا حكومة لأشهر. والتفاوض لن يكون على استمرار هذه الحكومة التي انتهت إلى غير رجعة، بل على الحكومة الجديدة. إذ لا يزال حزب الله وميشال عون يملكان الأكثرية النيابية، وبوسعهما المفاوضة على أيّ حكومة جديدة. وبالطبع يفضّل الثنائي الشيعي حكومة يرأسها سعد الحريري، من المستقلّين، وبلا جبران باسيل، كما كانت رغبة الحزب قبل تعيين دياب. لكنّه أمر قد يبدو مستحيلاً، على المستويين الشعبي، و"البعبداوي".
الأكيد أنّ دفن الحكومة قد يتمّ قبل وصول دايفيد هيل إلى بيروت. هيل الذي يأتي للانتهاء من "صفقة" ترسيم الحدود البحرية. وإذ يعتبر البعض أنّ سقوطها غير مرتبط بالتسوية التي يجري التفاوض حولها، من قطر إلى عُمان، بين الولايات المتحدة وكلّ من حزب الله وإيران، يرى آخرون أنّ الاتفاق الأوّلي تمّ على ترسيم الحدود البحرية، وتشكيل حكومة "مستقلة" تجري إصلاحات وتحصل على مساعدات قبالتها، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. ليبقى "سلاح حزب الله" بانتظار جولة تفاوض جديدة بعد تلك الانتخابات.
الحكومة تحتضر، على وقع أنين آلاف الجرحى وبكاء عائلات مئات القتلى والمفقودين و"المخطرين" في غرف العناية الفائقة… ومراسم الدفن لن تكون أبعد من اليوم.